المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

738

وأمّا على المبنى الثاني ـ وهو كون نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الضرريّ ـ فقد ذكر المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله): أنّ القاعدة لا تنطبق فيما نحن فيه؛ لأنّ موضوع الحكم الشرعيّ فيما نحن فيه ليس حرجيّاً؛ إذ لا يوجد أيّ حرج في الالتزام بالموضوعات التي تعلّق بها التكليف الإلزاميّ، فإنّها محدودة، ولو كان المكلّف عالماً بها لأتى بها بلا وقوع في الحرج. نعم، نفس عنوان الاحتياط والجمع بين المحتملات حرجيّ لكنّه ليس موضوعاً لحكم شرعيّ، وإنّما هو موضوع لحكم العقل بوجوب الاحتياط.

والتحقيق: أنّ هذا الإشكال في غير محلّه بقطع النظر عن بطلان أصل مبناه في تفسير القاعدة؛ وذلك لأنّه يرد عليه:

أوّلاً: أنّه من الممكن أن يدّعى في المقام شمول القاعدة للاحتياط والجمع بين المحتملات الذي هو موضوع لحكم العقل بالوجوب، فإنّه موضوع حرجيّ، فالشارع يرفع هذا الحكم العقليّ بلسان رفع موضوعه الحرجيّ.

ولا محذور في ذلك إلّا توهّم أنّ القاعدة حيث إنّها تنفي الحرج في الدين فهي ناظرة إلى الدين وأحكام الدين لا إلى أحكام حاكم آخر غير صاحب الدين، والحكم بالاحتياط في المقام حكم للعقل لا للشارع.

وهذا التوهّم غير صحيح؛ وذلك لأنّ حكم العقل بوجوب الاحتياط ليس حكماً تشريعيّاً من قِبَل حاكم تشريعيّ آخر كسلطان من السلاطين ـ مثلاً ـ له تشريعه وجعله للأحكام، وليس حكم العقل بابه باب التشريع والجعل، بل مرجعه إلى إدراك العقل حقّاً واقعيّاً ثابتاً للمولى على العبد، وهذا الحقّ ليس أمراً مجعولاً للعقل، بل هو أمر واقعيّ ثابت في الخارج ومنتزع عن التكليف المعلوم بالإجمال كالجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة والسببيّة المنتزعة من التكاليف الشرعيّة، فمنشأ انتزاع هذا الحقّ ومنشأ ثبوته بالنحو المناسب له من الثبوت هو التكليف المعلوم