شمول هذا الإجماع للفرض الذي نتكلّم عنه ثبتت الحجّيّة التخييريّة، أي: أنّ المقدار الذي يجب أخذه يكون على سبيل التخيير، وأيّ جانب اختاره المكلّف كان ذلك حجّة له بحيث يمكن قصد الوجه، أمّا فرض ثبوت حجّيّة الظنّ هنا بهذا الإجماع فهذا يعني زيادة في التنجيز، وهي خارجة عن عهدة هذا الإجماع المدّعى. إذن فالإجماع والضرورة لا يقعان في طريق إثبات الكشف أو الحكومة.
نعم، هذا الذي ذكرناه إنّما هو مبنيّ على مسلك القوم في قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
أمّا على مسلكنا فيمكن التوصّل إلى حجّيّة الظنّ. توضيح ذلك: أنّنا نعتقد أنّ عنوان عدم البيان ليس هو بنفسه موضوع قبح العقاب، وإنّما يكون موضوعه الحقيقيّ عبارة عن عدم الحقّ، أي: أنّه يقبح على المولى عقابه للعبد على ما ليس له عليه حقّ المولويّة والامتثال، وعندئذ فإذا أردنا الانسياق مع المشهور في البراءة العقليّة قلنا: إنّ الذي تعلّق به حقّ المولويّة إنّما هو التكليف المعلوم والمبيّن دون التكليف المشكوك، وإذا كان الأمر كذلك، أي: لم يكن قبح العقاب من ذاتيّات عدم البيان، ولم تكن الحجّيّة من ذاتيّات العلم، بل دار مدار ثبوت حقّ المولويّة وعدمه، فمن المعقول أن يقال: إنّه إنّما يكون حقّ المولويّة منصبّاً على خصوص دائرة المعلومات دون المظنونات وغيرها بالنسبة للعبد الذي يكون باب العلم إلى أحكام مولاه منفتحاً عليه، فيؤدّي حقّ المولويّة بالنسبة له إلى امتثال العلميّ، أمّا الذي انسدّ عليه باب العلم بأحكام مولاه جلاًّ أو كلاًّ، ولم يتنجّز عليه الامتثال العلميّ، فحقّ المولويّة بالنسبة له ينصبّ على دائرة المظنونات، وبكلمة اُخرى: إنّ مقتضى عبوديّة العبد ثبوت حقّ الطاعة عليه للمولى، فإن لم يتمثّل ذلك في التكاليف المعلومة لعدم العلم يتمثّل في التكاليف المظنونة، وبهذا تثبت حجّيّة الظنّ على نحو الحكومة، فإذا ضمّ ذلك إلى دعوى الإجماع على أنّ ما ثبت