السابقة على حجّيّة الظنّ لا يكون العلم الإجماليّ منحلاًّ، فيصلح للمنع عن جريان البراءة.
المقام الثاني: في الدعوى الثانية، وهي وقوع الإجماع والضرورة في طريق إثبات النتيجة المقصودة من حجّيّة الظنّ على أساس الكشف أو الحكومة، وذلك بضمّه إلى سائر مقدّمات دليل الانسداد.
والصحيح: أنّ هذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه؛ وذلك لأنّه لا يمكن ضمّ هذا الإجماع والضرورة إلى المقدّمة الأخيرة القائلة بقبح ترجيح المرجوح على الراجح حتّى تثبت بذلك حجّيّة الظنّ، فإنّ الإجماع والضرورة لا يدلاّن على وجود منجّز مردّد أمره بين كونه في المظنون أو في الموهوم حتّى يعيّن في الأوّل بقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح، وإنّما يدلاّن ـ كما مضى ـ على وجود منجّز تخييريّ؛ لكون التعيين مؤونة زائدة باقية تحت قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولم يصلنا شيء أكثر من التنجيز التخييريّ لا بمنجّز عقليّ؛ لأنّ المفروض قطع النظر عن العلم الإجماليّ، ولا بمنجّز شرعيّ؛ لعدم الدليل عليه. وهذا المنجّز التخييريّ نسبته إلى المظنون والموهوم على حدّ سواء، فلا يلزم من ذلك ترجيح المرجوح على الراجح، فنبقى نحن والاحتياط التبعيضيّ التخييريّ ولا تصل النوبة إلى حجّيّة الظنّ أصلاً.
إن قلت: إنّنا لو ضممنا هذا الإجماع والضرورة إلى ما قد يدّعى من الإجماع على عدم كون طريق الامتثال في الشريعة منحصراً بالاحتياط بالنسبة لجلّ الأحكام، أنتج ذلك حجّيّة الظنّ على الكشف.
قلت: هذا الإجماع المدّعى إنّما هو ناظر إلى المقدار الثابت تنجيزه، ويفترض أنّ ذاك المقدار الثابت تنجيزه هناك طريق آخر لامتثاله غير الاحتياط، ولا أقلّ من احتمال ذلك، ولا ينظر إلى تنجيز إضافيّ على ما هو ثابت لولاه، فلو افترض