المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

651

الافتراق أو لا ؟ وتتّضح فكرة انتزاع علم إجماليّ ثالث قائم بمادّتي الافتراق بذكر مثال، وهو: ما لو علمنا إجمالاً بوجوب شرب أحد الإناءين الشرقيّين بسبب أمر الوالد مثلاً، وبحرمة شرب أحد الإناءين الأحمرين بسبب نهي الوالد مثلاً، وأحد هذين الإناءين الأحمرين هو نفس أحد الإناءين الشرقيّين، فالإناء الأحمر الشرقيّ لا يتنجّز علينا شربه، ولا ترك شربه. وأمّا مادّتا الافتراق فيكفي في تنجّزهما أنّ لنا علماً إجماليّاً ثالثاً قائماً بهما، وهو العلم بوجوب شرب الإناء الشرقيّ غير الأحمر، أو حرمة الإناء الأحمر غير الشرقيّ؛ لأنّ العلم الإجماليّ ـ على ما قاله علماء الاُصول ـ يستلزم دائماً العلم بقضايا شرطيّة مقدّمها عدم بعض الأطراف، وتاليها ثبوت المعلوم بالإجمال في الباقي.

إذن علمنا بوجوب شرب أحد الإناءين الشرقيّين يستلزم بذاته العلم بأنّ الإناء الشرقيّ الأحمر لو لم يجب شربه لكان شرب الإناء الشرقيّ غير الأحمر واجباً، وعلمنا بحرمة شرب أحد الإناءين الأحمرين يستلزم العلم بأنّ الإناء الشرقيّ الأحمر لو لم يحرم شربه لكان شرب الإناء الأحمر غير الشرقيّ حراماً، وبما أنّنا نعلم بصدق أحد الشرطين فنحن نعلم ـ لا محالة ـ بأنّه إمّا الإناء الشرقيّ غير الأحمر واجب الشرب، أو الإناء الأحمر غير الشرقيّ محرّم الشرب، وهذا هو العلم الإجماليّ الثالث.

ولكن التحقيق: أنّ هناك فرقاً بين العلوم الإجماليّة القائمة على أساس البرهان، والعلوم الإجماليّة القائمة على أساس حساب الاحتمالات، وهذه نكتة يجب الاهتمام بها جدّاً لدخلها في كثير من المباحث الآتية، وتوضيحها:

أنّ العلم الإجماليّ قد يكون قائماً على أساس البرهان كما لو علمنا بنجاسة أحد الإناءين بإخبار معصوم، فهذا العلم قائم على أساس برهان العصمة ولو فرض أنّ أصل عصمته ثبتت بحساب الاحتمالات لا بالبرهان، وقد يكون قائماً