المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

614

خبر الثقة، والكشف بالنحو الذي بيّن في هذا التقريب لا يكون ناشئاً من الوثاقة، وإنّما المفروض أنّ المولى اطّلع على هذه الأخبار فرأى أنّ موافقتها للواقع أكثر من موافقة الأمارة الاُخرى المعارضة له. أمّا لو فرضنا المولى إنساناً اعتياديّاً غير مطّلع على ذات الواقع، ومحتاجاً في الكشف إلى عنوان الوثاقة، فسوف لن يرى أنّ النسبة المئويّة في الصدق في جانب خبر الثقة المعارض للشهرة ترجّح على النسبة المئويّة في الصدق في جانب الشهرة المعارضة له.

والصحيح مع ذلك هو حجّيّة خبر الثقة وإن عارضته أمارة اُخرى غير حجّة فانتفى كشفه في مورده، فإنّه ليس في ذلك محذور ثبوتيّ ولا إثباتيّ: أمّا المحذور الثبوتيّ فيكفي في دفعه التقريب السابق. وأمّا المحذور الإثباتيّ ـ وهو أخذ الكشف في دليل الحجّيّة ـ فندفعه بتقريب جديد. وتوضيحه: أنّ خبر الثقة في نفسه كاشف باعتبارين:

الأوّل: كشفه باعتبار مورده الخاصّ، وهذا الكشف تنتفي فعليّته بالتعارض مع أمارة اُخرى مثله في درجة الظنّ، بل في الحقيقة إنّ تعبيرنا بأنّ هذا الخبر يقتضي الكشف ولكن لم يصل اقتضاؤه إلى مرحلة الفعليّة لوجود المانع مسامحة في الكلام، والواقع أنّه بهذه المعارضة ينتفي أصل المقتضي للكشف؛ إذ الكشف في الأمارات الظنّيّة قائم على أساس حساب الاحتمالات المرتكز على أساس العلم الإجماليّ، والوجه في حصول الكشف الظنّيّ هو ثبوت المنكشف على تقدير أكثر أطراف العلم الإجماليّ، كما لو فرضنا أنّ دواعي الصدق في الثقة ثلاثة، وداعي الكذب واحد، فإذا أخبرنا بخبر علمنا إجمالاً بتحقّق أحد الدواعي الأربعة، والعلم الإجماليّ ينقسم على أطرافه بالتساوي، فيحصل الظنّ بالصدق بقدر ثلاثة أرباع اليقين، ولنفرض أنّ الأمارة التي عارضت خبر الثقة ـ وهي الشهرة مثلاً ـ توجد أسباب ثلاثة لموافقتها للواقع، وسبب واحد لمخالفتها، فإذا دلّ الخبر على شيء،