المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

587


ومضى منّا أنّه على تقدير التسليم بها لا يحتمل الفرق بين باب الأحكام وباب الموضوعات.

وثانيهما: مثل قوله: «العمريّ وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان»، فهذا التعبير يفهم تعليل حجّيّة أدائه عن الإمام(عليه السلام) بالوثاقة، والتعليل إشارة إلى كبرى كلّيّة قد تتردّد سعةً وضيقاً بين عدّة كبريات، فالمفروض الاقتصار على أضيق كبرى تشمل المورد ما لم تكن هناك كبرى معهودة عرفاً، ومركوزة مناسبتها للصغرى المصرّح بها، وإلّا فهذا الارتكاز بنفسه قرينة على ملء الفراغ بتقدير تلك الكبرى المعهودة ولو كانت أوسع من مقدار الحاجة في اقتناص النتيجة المذكورة في النصّ، ومقامنا من هذا القبيل، فإنّ الحاجة في اقتناص النتيجة بحسب المورد لا تكون إلى أكثر من تقدير حجّيّة خبر الثقة في الأحكام كبرى في القياس، ولكن حيث إنّ كبرى حجّيّة خبر الثقة بنحو أوسع مركوزة ـ بحسب ما يعتقده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ـ فينصرف ملء الفراغ إليها حفظاً لمناسبات الصغرى والكبرى المركوزة في الذهن العرفيّ، وتلك الكبرى الأوسع هي حجّيّة خبر الثقة مطلقاً.

ولا يتوهّم أنّ هذا رجوع إلى الاستدلال بالسيرة، فإنّ السيرة العقلائيّة بذاتها غير حجّة، وإنّما الحجّيّة لموافقة الشارع، وموافقته تارةً تكشف بعدم الردع، وهذا هو الوجه الأوّل. واُخرى بدلالة لفظيّة، وإن كانت نفس السيرة دخيلة في تكوّنها، وهذا هو الوجه الثاني. ويظهر الأثر العمليّ فيما لو احتملنا الردع من دون أن يثبت بدليل خاصّ، فهذا يضرّ بالدليل الأوّل ولا يضرّ بالدليل الثاني.

وعلى أيّة حال، فبناءً على ما مضى منّا ـ من التشكيك في أصل السيرة العقلائيّة ـ يبطل هذا الوجه أيضاً.

ولو سلّمنا السيرة العقلائيّة فقد يدّعى ورود الردع عنها في الشبهات الموضوعيّة، وذلك إمّا بحديث عامّ، أو بأحاديث خاصّة في موارد متفرّقة يقتنص منها الردع عن كبرى السيرة.