المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

552

تدّعى حكومته عليها، وأنت ترى أنّنا لو أحرزنا الإمضاء فمعنى هذا أنّنا قد قطعنا بحجّيّة خبر الثقة، وعندئذ لا نحتاج إلى الحكومة، فحتّى لو فرضنا أنّ دليل الحجّيّة لا يجعل العلم، وإنّما يجعل الحكم المماثل، أو المنجّزيّة والمعذّريّة، أو غير ذلك نأخذ بجانب السيرة؛ للقطع بإمضائها، ولا نأخذ بإطلاق الآيات؛ للقطع بعدم مطابقة إطلاقها للواقع.

وإن اُريد الثاني، أي: أنّ السيرة العقلائيّة بنفسها حاكمة على الآيات فهي بنفسها ترفع المانع، فيثبت الإمضاء في طول الحكومة، فلا يرد عليه ما ورد على الوجه الأوّل، لكنّه يرد عليه إشكال آخر، وهو: أنّه لا مجال لتوهّم حكومة سيرة العقلاء وجعلهم للظنّ علماً بما هو جعل لهم وبقطع النظر عن إمضاء الشارع، على حكم الشارع بعدم العمل بغير العلم. وتصوير حكومة دليل على دليل لدى المحقّق النائينيّ(رحمه الله) يكون بتقريب أنّ الموضوع المأخوذ في لسان الشارع يراد منه كلّ ما صدق عليه في نظره المولويّ، فلو قال مثلاً: (يحرم الربا) فمعنى ذلك أنّه يحرم كلّ ما كان بنظري المولويّ رباً، فإذا دلّ دليل على فرض شيء رباً بنظره المولويّ، أو على نفيه لعنوان الربا عنه مولويّاً كقوله: (لا ربا بين الوالد وولده) كان حاكماً على الدليل الأوّل؛ لأنّه يوسّع دائرة موضوعه، أو يضيّقه تعبّداً ومولويّاً. وعلى ضوء هذا الكلام نقول: إنّ دليل حرمة العمل بغير علم يقول: كلّ ما لم يكن علماً في نظري المولويّ يحرم العمل به، فإن فرض أنّ خبر الثقة علم في نظره المولويّ كان ذلك حاكماً عليه، وإن فرض أنّ خبر الثقة علم في نظر العقلاء وجعلهم، فهذا ليس توسعة لدائرة موضوع ذلك الدليل وهو ما يكون علماً في نظره المولويّ، فلا معنى لحكومته عليه، ولو صحّت حكومة جعل العقلاء لشيء علماً على تحريم الشارع للعمل بغير العلم لصحّت حكومة جعل عاقل واحد أيضاً لذلك عليه، فلو قال عاقل واحد: (إنّي جعلت خبر الثقة علماً) كان ذلك حاكماً على دليل حرمة العمل بغير العلم. وإذا لم يكن جعل عاقل واحد حاكماً فضمّ فضول إلى فضول لا ينتج الحكومة.