المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

523

والكلام تارةً يقع في دلالة الحديث، واُخرى في سنده:

أمّا الأوّل: فتدلّ على المطلوب من هذا الحديث فقرتان:

الاُولى: قوله: «العمريّ ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون»، ولولا قوله: «فإنّه الثقة المأمون» لكان يقال: إنّ هذا الحديث لا يدلّ على أزيد من حجّيّة خبر ثقة الإمام، لكن التعليل بقوله: «فإنّه الثقة المأمون» يوسّع في دائرة الموضوع، ويجعل الموضوع مطلق الثقة.

وما عن علماء العربيّة: من أنّ اللام في مثل هذا المورد للكمال، فمعنى ذلك أنّه الكامل في الوثاقة والأمان ليس حجّة لنا، فإنّه ليس ذلك نقلاً منهم عن العرب، وإنّما هو اجتهاد منهم؛ إذ لا يحتمل أنّ اللام موضوع بوضع خاصّ للكمال، وإنّما المقصود استفادة الكمال بمناسبة المعنى الأصليّ للاّم. ونحن نقول: إنّ الظاهر الأنسب لمعناه الأصليّ إنّما هو الكمال بحسب عالم الإثبات لا الثبوت.

فإنّ اللام هنا يتضمّن معنى العهد وليس لام الجنس صرفاً، وليس هناك معهود معيّن، فينبغي أن يكون لعهد الجنس، ومن هنا يستفيدون منه الكمال الثبوتيّ. لكن الظاهر الأنسب هو الكمال الإثباتيّ، فكأنّ العمريّ من شدّة وضوح كونه فرداً لجنس الثقة يكون معهوداً بنفس معهوديّة الجنس، والمعهوديّة مرتبطة بالظهور والوضوح بحسب عالم الإثبات، لا الكمال بحسب عالم الثبوت.

والحديث مطلق يشمل الرواية والفتوى، وقوله: «فاسمع له وأطع» ليس قرينة على الاختصاص بالفتوى، فإنّه حتّى لو حمل على الفتوى فليس المقصود إيجاب الإطاعة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة؛ إذ ذلك لا يكون إلّا في باب الحكم، أمّا الفتوى فهو أيضاً إخبار عن الواقع كالرواية، إلّا أنّه بالحدس والاجتهاد والاستظهار لا الحسّ، فالمقصود بإطاعته في الفتوى ليس في الحقيقة إلّا إطاعته بلحاظ ذلك