المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

516

وقد اشتهر هذا اللسان بهذه الصيغة الخاصّة، أي: (لا ينبغي التشكيك فيما يروي عنّا ثقاتنا) في تعبير الأصحاب في مقام الاستشهاد على حجّيّة خبر الثقة بالأخبار، ولم يرد إلّا في هذا الحديث. وهذا اللسان أجنبيّ عمّا نحن فيه؛ لأنّ المتكلّم لو قال: فلان ثقتي، فهذا لا يعني أنّه ثقة في قوله ـ أي: أنّه واجد لملكة الصدق ـ بل يعني: أنّه معتمدي ومحلّ وثوقي في اُموري وأسراري وتشاوري ونحو ذلك. فقوله(عليه السلام)«ثقاتنا» ليس معناه من نعتقد بكونه واجداً لملكة الصدق، وإنّما هو تعبير من سنخ تعبير الإمام الحسين(عليه السلام)بشأن ابن عمّه ونائبه مسلم بن عقيل(عليه السلام) حيث قال: «إنّي باعث إليكم ثقتي من أهل بيتي»، ومعناه أنّه معتمدي في اُموري واُفاوض معه أسراري. كما جاء في ذيل هذا الحديث الذي استدلّ به على حجّيّة خبر الواحد: «قد عرفوا بأنّنا نفاوضهم سرّنا ونحمله إيّاه إليهم»، والثقة بهذا المعنى لا إشكال في حجّيّة خبره.

الطائفة الرابعة عشرة: ما دلّ على المنع من إعمال الرأي في رفض الرواية، من قبيل ما عن أبي عبيدة الحذّاء قال: «سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول: والله إنّ أحبّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا. وإنّ أسوأهم عندي حالاً، وأمقتهم الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروي عنّا فلم يقبله، اشمأزّ منه وجحده، وكفّر من دان به، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج وإلينا اُسند، فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا»(1).

وتقريب الاستدلال بذلك: أنّه لولا حجّيّة الخبر لما ردع عن رفضه.

ولكنّك ترى أنّ مفاد هذا الحديث هو الردع عن رفض الحديث بقول مطلق بمجرّد عدم موافقته للذوق والاستحسان. ولا شكّ في أنّه لا يجوز رفضه بذلك


(1) الوسائل، ج 18، ب 8 من صفات القاضي، ح 39، ص 61 و62.