المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

497

وبالنسبة لمثل هذا المورد لا مجال لحجّيّة خبر الواحد لنفس النكات الثلاث الماضية في الإشكال الرابع من إشكالات آية الكتمان.

وثالثاً: أنّ الظاهر أنّ المقصود بالذكر هو الرسالة والدين لا العلم، فإنّه كثيراً مّا يطلق في القرآن الكريم على الرسالة باعتبار كونها مذكّرة للإنسان نحو الطبائع الفطريّة الصحيحة التي اُجبل الإنسان عليها ونسيها بسبب البعد عن المنبّهات وعن عالم الإنسانيّة، وعلى الكتاب باعتبار تمثّل الرسالة فيه، وعلى الرسول باعتبار كونه حاملاً للرسالة، ولو تصفّحت في القرآن الكريم لوجدت موارد كثيرة ممّا استعمل فيها كلمة الذكر تناسب هذا المعنى الذي ذكرناه لا معنى العلم، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾(1). وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون﴾(2). ولعلّ المقصود بقوله: ﴿مِن بَعْدِ الذِّكْر﴾ يعني من بعد التوراة باعتبار كون الزبور فرعاً لها. وقال تعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾(3). وقال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾(4).

فإذا فسّرنا الذكر في آية السؤال بمعنى الرسالة كانت هذه قرينة اُخرى غير ما مضى في الإشكال الثاني على كون الآية واردة في أصل من اُصول الرسالة، وأنّه لا إطلاق فيها للأحكام، فإنّ المقصود بالخطاب مَن لا يعرف اُصول الرسالة ودلالته على السؤال عن أهل الذكر، أي: أهل الرسالة والكتاب العارفين باُصول الرسالة.

ولا أقلّ من أنّ ما ذكرناه: من المعنى للذكر، ليس بأبعد من تفسيره بالعلم، فإنّ


(1) سورة الحجر، الآية: 9.

(2) سورة الأنبياء، الآية: 105.

(3) سورة الأنبياء، الآية: 10.

(4) سورة النحل، الآية: 44.