المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

483

دائرة الحكم. فلنتصوّر فيما نحن فيه ما يكون من هذا القبيل، فالعبد قد يعتقد أنّ إنذاره سوف لا يوجب العلم، بينما هو في الواقع قد يوجب العلم لمن أنذره مباشرة، أو لإنسان آخر يعيش في هذا العرض العريض المكانيّ أو الزمانيّ الذي سيصله هذا الإنذار، وسيحصل له العلم بسبب هذا الإنذار، ولو بمعونة ضمّه إلى إنذار منذرين آخرين، فالمولى قد أوجب الإنذار على الإطلاق رغم أنّ الحذر لم يكن واجباً إلّا عند حصول العلم، وذلك بغرض الحفاظ على الملاك في مورد يوجب الإنذار العلم، ولكنّ العبد يتخيّل عدم تأثير إنذاره في حصول العلم لأحد.

وأمّا الوجه الثالث ـ وهو: أنّ الحذر غاية للإنذار الواجب، وغاية الواجب واجبة ـ: فيرد عليه: أنّ الصغرى وإن كانت مقبولة، وهي: أنّ الحذر جعل غاية للإنذار، لكن الكبرى غير مقبولة، وهي دعوى أنّ غاية الواجب إذا كانت اختياريّة فلابدّ أن تكون واجبة؛ وذلك لأنّ العقل وإن كان يحكم بأنّ غاية الواجب محبوبة للمولى بدرجة لا تقلّ عن محبوبيّة ذي الغاية؛ لأنّ محبوبيّة ذي الغاية إنّماجاءت من محبوبيّة الغاية، لكن هذه المحبوبيّة للغاية إنّما هي ملاك اقتضائيّ لوجوبها، وقد يمنع عن تأثيره في فعليّة الوجوب مانع، وهو التزاحم بين هذا الملاك وملاك آخر، فمن المحتمل ـ مثلاً ـ أنّ ملاك إيجاب الحذر كان مزاحماً بمفسدة الكلفة والمؤونة الثابتة في لزوم الحذر عند عدم العلم، وكان الملاك الثاني مقدّماً في نظر المولى على الملاك الأوّل فلم يوجب الحذر، ولكن ذلك لا ينافي إيجاب الإنذار.

توضيح ذلك: أنّ للحذر أبواباً متعدّدة من أبواب العدم، منها: باب عدمه الناشئ من عدم إيجاب الحذر عند الإنذار مع عدم حصول العلم، ولولا المزاحمة مع ملاك الكلفة والمؤونة لكان المولى يسدّ جميع أبواب العدم التي تكون من قبله، لكن هذه المزاحمة أوجبت رفع يده عن سدّ باب العدم، إلّا أنّ الضرورة تتقدّر