المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

480

لكنّها تدلّ لا محالة على الترقّب، ومن المعلوم أنّه لا معنى لترقّب الحذر إلّا لدى احتمال العقاب، ولا منشأ لاحتمال العقاب لولا وجوب الحذر.

أقول: إنّ استدلاله بكلمة (لعلّ) على الحجّيّة بعد تفسيرها بمعنى الترقّب غير صحيح، لا لأنّ الترقّب بشأن الله مستحيل، كي يجاب عليه بحمل كلمة (لعلّ) على الترقّب بلحاظ نظر المخاطبين، أو الترقّب الشأنيّ وكون الشيء في معرض الوقوع، بل لأنّ ترقّب الحذر في كلّ مورد لا يتوقّف على الحجّيّة، بل يكفي فيه احتمال حصول العلم فيه، فكأنّه قال: لعلّهم يعلمون فيحذرون.

نعم، بالإمكان تصحيح الاستدلال بالآية المباركة بوجه آخر غير ما ذكره، وهو: أنّ كلمة لعلّ وإن لم تدلّ لغة على محبوبيّة متعلّقها لكن متعلّقها في خصوص مورد الآية محبوب، والمستفاد من مجموع الكلام هو ترقّب المحبوب لا ترقّب المبغوض مثلاً، وذلك بقرينة السياق، أعني: جعل ذلك غاية للشيء المطلوب، وهو الإنذار، ولا أقصد بذلك أنّ غاية الواجب واجبة، كي يرجع إلى الوجه الثالث الذي سوف يأتي ـ إن شاء الله ـ النقاش فيه، وإنّما المقصود أنّ جعله غاية للمطلوب قرينة على أنّه ترقّب للأمر المحبوب، وعندئذ: إمّا أن نحمل ذلك على مجرّد داعي المحبوبيّة والمطلوبيّة؛ لاستحالة الترقّب والترجّي بشأن الله تعالى، أو نبقيه على ظهوره في ترقّب المحبوب وترجّيه: إمّا لمنع استحالة ذلك بشأنه تعالى(1)، أو


(1) لعلّه ينظر(رحمه الله) إلى إمكانيّة الترقّب، أو الترجّي، أو الاحتمال بالمعنى الرياضي للاحتمال، وإن كان لا يمكن ذلك بمعناه النفسيّ. فعند ما يتحدّث المولى عن عنوان كلّيّ ثمانون بالمئة من أفراده يتّصف بصفة كذا مثلاً، أو عشرون بالمئة منها لا يتّصف بتلك الصفة، فمن الصحيح أن يقول: يترقّب بشأن الفرد من هذا العنوان بقدر ثمانين بالمئة أن يكون متّصفاً بصفة كذا. والمدلول اللغويّ لكلمة (لعلّ) لا يأبى عن الانطباق على ذلك.