المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

48

ثمّ إنّ ما ذكرناه إلى الآن كان مبنيّاً على فرض أنّه لا يوجد عنصر دخيل في الحكم الواقعيّ ـ الذي نبحث عن أنّه هل ينافي الحكم الظاهريّ، أو لا؟ ـ غير المبادئ، والتشريع، والخطاب، وقد ظهر أنّ كلّ هذا لا ينافي الحكم الظاهريّ.

ولكن هناك عنصر آخر قد يدّعى دخله في الحكم، وهو عبارة عن كون الخطاب بداعي البعث والتحريك. وعندئذ قد يقال: إنّ هذا العنصر ينافي الحكم الظاهريّ؛ لعدم إمكانيّة اجتماع داعي البعث والتحريك مع الترخيص في الخلاف، فإذا ثبت الترخيص في الخلاف فقد ثبت انتفاء داعي البعث والتحريك، وهذا يخالف فرض اشتراك العالم والجاهل في الحكم بناءً على أنّ ما ثبت بدليل الاشتراك ليس هو مجرّد الاشتراك في المبادئ والجعل والخطاب فقط، بل ذلك كلّه مع داعي البعث والتحريك، فإذا لم يعقل بعث وتحريك من كان حكمه الظاهريّ الترخيص لزم من جعل الحكم الظاهريّ التصويب.

ونحن نجيب على هذا الإشكال تارةً على سبيل الإجمال، واُخرى على سبيل التفصيل:

أمّا الجواب الإجماليّ: فهو أنّ غاية ما يمكن تسليمه هي: أنّ المقدار المشترك


في الانطباق فليس العبد مسؤولاً عنه، ولذا لو علم المولى خطأ بانطباق ما فيه الغرض على مصداق وعلم العبد بخطأ المولى، فعلى العبد أن يعمل وفق علمه هو. وهذا بخلاف الحكم الذي كان على شكل القضيّة الخارجيّة وأمر المولى فيه وفق تشخيصه، فعلى العبد عندئذ أن يعمل وفق تشخيص المولى وإن علم خطأه. هذا، والتردّد الذي هو محلّ الكلام إنّما هو تردّد العبد وليس تردّد المولى، ومن الواضح أنّ تردّد العبد لا علاقة له باتّساع دائرة حبّ المولى بلحاظ المصاديق، وإنّما له علاقة بإبراز المولى شدّة اهتمامه بغرضه إلى حدّ لا يرضى بفواته حتّى في هذه الحالة، وهذا هو روح جعل الاحتياط.