المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

479

بأن ينفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين، ولينذروا الباقين بعد الرجوع حتّى يحذروا عن العقاب في دائرة الاُمور المنذر بها. فغاية ما تدلّ عليها الآية الكريمة هي رفع تنجيز الحكم عليهم في غير دائرة الاُمور المنذر بها، لا أنّ التنجيز في دائرة الاُمور المنذر بها يكون في طول الإنذار، فالعلم الإجماليّ أو كون الشبهة قبل الفحص كان يقتضي التنجيز في دائرة أوسع، ولم يكن يعقل الاحتياط بالنسبة لاُولئك الأشخاص الذين هم في تلك المرتبة من الجهل، فأثر تنجيز الأحكام عليهم إنّما هو وجوب الفحص لا الاحتياط، وقد رفع عنهم الفحص بأزيد من مقدار نفر طائفة من كلّ فرقة، فقد قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَّة﴾، وهذا يعني تقليص التنجيز وحصره في دائرة ما يأتي به المنذرون، لا إضفاء التنجيز على إنذار المنذرين؛ لما عرفت: من أنّ الإنذار إنّما هو في طول التنجيز، وليس العكس.

وبعد تسليم الملازمة بين وجوب الحذر والحجّيّة ننتقل إلى البحث عن مدى دلالة الآية الشريفة على وجوب الحذر بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة:

أمّا الوجه الأوّل ـ وهو التمسّك بمطلوبيّة الحذر المستلزمة للوجوب، والمدلول عليها بكلمة (لعلّ) الدالّة على الترجّي المحمولة دلالتها التصديقيّة على داعي المطلوبيّة ـ: فقد أورد عليه المحقّق الإصفهانيّ(قدس سره)بأنّ كلمة لعلّ ليست موضوعة للترجّي بمعنى ترقّب المحبوب، بل هي موضوعة لمطلق الترقّب بقطع النظر عن كون المترقّب محبوباً أو لا. وقال بأنّ الاستعمالات الصحيحة في لغة العرب قد تكفّلت موارد يكون متعلّق (لعلّ) مبغوضاً غير محبوب، كما في قوله: «لَعَلَّكَ عَنْ بَابِكَ طَرَدْتَنِي»، ونحو ذلك من فقرات دعاء أبي حمزة وغيرها. ونقل(قدس سره)أيضاً مدّعاه عن بعض أرباب اللغة.

هذا ما ذكره(رحمه الله) في مقام الإيراد على الوجه الأوّل، لكنّه ذكر بعد ذلك في مقام تصحيح الاستدلال بكلمة (لعلّ): أنّها وإن لم تكن موضوعة لترقّب المحبوب،