المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

455

الموضوع عن الحكم؛ وذلك لأنّ الجزء الأوّل من جزءي الموضوع وهو الخبر غير ثابت لنا بالحسّ في غير الخبر المباشر لنا، وإنّما يثبت ذلك بحجّيّة ما قبله من الخبر، وهي: الحكم المستفاد من هذه الآية. إذن فالحكم يثبت قبل ثبوت الموضوع.

وهذان التقريبان يختلفان ملاكاً وموضوعاً:

أمّا الأوّل: فلما عرفت: من أنّ ملاك الأوّل هو تقارن المتقدّم والمتأخّر ووحدتهما، وملاك الثاني هو تأخّر المتقدّم.

وأمّا الثاني: فلأنّ النسبة بينهما عموم من وجه، فهما يجتمعان في الوسائط ويفترقان في الطرفين؛ إذ الأوّل لا يأتي في أوّل السلسلة الذي ينقل الحكم الشرعيّ، والثاني لا يأتي في آخر السلسلة المتّصل بنا الذي يكون خبره ثابتاً عن حسّ.

ولا يخفى ما في التقريب الثاني: من الخلط بين ثبوت الخبر واقعاً وثبوته ظاهراً وتعبّداً. أو قل: الخلط بين الخبر والكشف عنه، فإنّ ما يكون موضوعاً للحجّيّة هو نفس الخبر بوجوده الواقعيّ، وما تحقّق بسبب الحجّيّة هو الكشف عن الخبر وثبوته عندنا تعبّداً.

وعلى أيّة حال، فهذا الإشكال بكلا تقريبيه إنّما يأتي بالنسبة للأدلّة اللفظيّة لحجّيّة خبر الواحد دون الأدلّة اللبّيّة، فالاستدلال بالسيرة العقلائيّة ـ مثلاً ـ لا يرد عليه هذا الإشكال، فالسيرة لو قامت على الأخذ بالخبر مع الواسطة، والمفروض كشفها عن الجعل الشرعيّ، فهي تكشف عن الجعل بالنحو الذي لا يرد عليه هذا الإشكال كفرض كون الحجّيّة لجميع الوسائط بجعول متعدّدة لا بجعل واحد(1).


(1) أو كون الخبر مع الواسطة حجّة ابتداءً لثبوت الحكم الشرعيّ المنقول من دون أن يكون كلّ خبر مثبتاً لما قبله.