المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

438

على قيد الفسق؛ وذلك لأنّ النبأ جعل حدّاً ومحصّصاً للنسبة التامّة في قوله ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ﴾، فالفاسق قد يجيء بالنبأ، وقد يجيء بالفاكهة، وقد يجيء بشيء آخر، فكلمة (النبأ) حصّصت هذه النسبة التامّة بواسطة النسبة الناقصة وصارت حدّاً لها. ومن المعلوم أنّ النبأ الذي يقع حدّاً لنسبة المجيء إلى الفاسق غير النبأ الذي يقع حدّاً لنسبة المجيء إلى العادل، وهذا بخلاف الفاكهة ـ مثلاً ـ في قولنا: (إن جاءكم فاسق بفاكهة فلا تأكلوها)؛ فإنّ الفاكهة لا تتعدّد بكون الجائي بها الفاسق أو العادل، ولكن النبأ يتعدّد بذلك. فحال النبأ حال الكتاب، ولا يتوهّم أحد أنّ قوله: (إن ألّف زيد كتاباً فاقرأه) يدلّ بمفهوم الشرط على أنّه إن ألّف عمرو كتاباً لم تجب قرأته، فإنّ الكتاب يتحصّص، ويكون الكتاب الذي ألّفه زيد غير الكتاب الذي ألّفه عمرو. وهذه قاعدة متّبعة في تمام ما يكون من هذا القبيل، فما يتحصّص لا يكون دالّاً على المفهوم، وما لا يتحصّص يدلّ على المفهوم ما لم يختلّ شرط آخر للمفهوم.

وإنّما لم نقل ـ على تقدير رجوع التبيّن إلى المجيء ـ بكون موضوع الجزاء هو الحصّة ـ أعني: نبأ الفاسق ـ لأنّ المجيء ليس طرفاً للنسبة الناقصة وحدّاً، كما هو الحال في كلمة النبأ، وإنّما هو طرف للنسبة التامّة، والنسبة التامّة تقتضي لحاظ كلّ من طرفيها مستقلاًّ، فالمجيء يدلّ على طبيعيّ المجيء.

هذا كلّه بناءً على أن يكون (النبأ) في الآية الكريمة بمعنى الإخبار، ولكن من القريب عندي ـ وإن كنت لا أجزم به ـ أن يكون الظاهر من (النبأ) في قوله: ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ﴾ هو المنبأ، بقرينة جعله متعلّقاً لـ ﴿جَاءَكُمْ﴾ الذي هو بمعنى أنبأكم، فكأنّه قال: إن جاءكم فاسق بمنبأ ـ أي: بقصّة ـ كما يقول: أخبرته بخبر، أي: بمطلب مخبر به، وإلّا لكان شبه التكرار، ومن المعلوم أنّ القصّة لا تتعدّد بكون المخبر بها شخصاً فاسقاً أو عادلاً.