المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

410

الاحتمال الثالث: ما اختاره المحقّق العراقيّ(رحمه الله) بناءً على كون المراد بالتبيّن ما يعمّ الظنّ. وقد أفاد(قدس سره): أنّه بناءً على هذا لا يمكن أن يكون الأمر بالتبيّن إرشاداً إلى حكم العقل؛ لأنّ العقل لا يكتفي بالظنّ، بل يكون الأمر بالتبيّن أمراً مقدّميّاً وغيريّاً ناشئاً من أمر نفسيّ طريقيّ متعلّق بالعمل بخبر الفاسق. وعلى هذا فنحن بحاجة أيضاً إلى برهان الأسوئيّة؛ لأنّ المفهوم إنّما دلّ على أنّه إن كان الجائي بالنبأ عادلاً لم يجب التبيّن بالوجوب الغيريّ المقدّميّ، وذلك إمّا لعدم وجوب ذي المقدّمة أصلاً، أي: عدم وجوب العمل بخبر العادل حتّى بعد التبيّن، وإمّا لعدم المقدّميّة، أي: أنّه يجب العمل به بلا تبيّن، وبما أنّ الأوّل مستلزم للأسوئيّة يتعيّن الثاني.

أقول: ما فرّعه على كلامه من الاحتياج إلى برهان الأسوئيّة تفريع صحيح، لكن أصل كلامه غير صحيح؛ لأنّنا نقول: هل الأمر النفسيّ الذي فرضه متعلّقاً بالعمل بخبر الفاسق متعلّق بالعمل به مطلقاً؟ أو متعلّق بالعمل به على تقدير حصول الوثوق والظنّ، فلا يجب العمل بمطلق خبر الفاسق، بل يجب العمل بخصوص خبره الموثوق به المظنون صدقه؟(1). فإن فرض الأوّل، لم يكن التبيّن مقدّمة


عدم العلم، وأمّا العلم التعبّديّ بالكذب، فلأنّنا نعلم أنّه لم يجعل خبر أيّ شخص في الشريعة سواء كان عادلاً متنسّكاً، أو فاسقاً متهتّكاً، أو شيطاناً مريداً أمارة على خلاف مفاده، ولا يرتبط علمنا هذا بمسألة لزوم الأسوئيّة، فأمر خبر العادل بذاته دائر بين أن يكون حجّة في إثبات مفاده وأن لا يكون حجّة، وعلى الثاني يجب التبيّن، فمفهوم الآية الدالّ على عدم وجوب التبيّن يدلّ لا محالة على الحجّيّة بلا حاجة إلى مقدّمة الأسوئيّة.

(1) وإذا أردنا تكميل الشقوق الثلاثة التي يمكن فرضها في المقام، فهنا احتمالان