المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

40

 

المختار في المسألة:

بقي الكلام فيما هو المختار في دفع إشكال التنافي بين الحكمين بحسب العقل النظريّ، فنقول: تارةً نتكلّم بناءً على طريقيّة الأحكام الظاهريّة، واُخرى بناءً على سببيّتها وكون الأمارة سبباً لحدوث المصلحة، فهنا مقامان من الكلام:

المقام الأوّل: في دفع الإشكال بناءً على طريقيّة الأحكام الظاهريّة، ومعنى طريقيّتها أنّه ليست لها مبادئ وراء مبادئ الأحكام الواقعيّة، ويتّضح ذلك مشروحاً من ثنايا الكلام. ويظهر ارتفاع الإشكال بذكر مقدّمات ثلاث:

المقدّمة الاُولى: أنّ عدم تعيّن متعلّق الغرض لا يوجب توسعة دائرة الغرض، وإنّما يوجب توسعة دائرة المحرّكيّة بلا فرق في ذلك بين الغرض التكوينيّ والتشريعيّ. مثلاً لو تعلّق الغرض التكوينيّ للشخص بإكرام العالم، وتردّد العالم بين جماعة كلّهم جهلاء ما عدا واحد منهم، فهذا الشخص قد يكون مهتـمّاً بإكرام العالم إلى درجة تبعثه نحو إكرام كلّ هؤلاء حفاظاً على إكرام العالم، ولكن هذا لا يعني توسعة دائرة غرضه، فغرضه لا زال متعلّقاً بإكرام العالم، أمّا إكرام الجاهل فلا غرض له فيه، وتردّد العالم بين جماعة لا يوجب سراية حبّه إلى إكرام باقي الأشخاص الذين هم في الواقع جهلاء ولا يحبّ إكرامهم لا حبّاً نفسيّاً ولا حبّاً مقدّميّاً، أمّا الأوّل فلأنّ ملاك الحبّ النفسيّ للإكرام عنده إنّما هو العلم، ولم يسر العلم إلى الجهلاء حتّى يحبّ إكرامهم. وأمّا الثاني فلأنّ إكرام الجاهل ليس مقدّمة لإكرام العالم. فإكرامه لتمام هؤلاء الجماعة ليس من باب توسعة الغرض، وإنّما هو من باب محرّكيّة نفس ذلك الغرض إلى إكرام الجميع، فكما أنّ ذاك الغرض يحرّكه نحو إكرام من يقطع بعالميّته، وهذا التحريك يكون بواسطة القطع، كذلك يحرّكه ـ لشدّة اهتمامه به ـ نحو إكرام من يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه، وهذا