المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

393

المخلص من هذا العلم الإجماليّ: أنّ حدود هذا الوضع والدسّ غير معلومة، ونحن نعرف أو نطمئنّ أنّ اُصول الأصحاب كانت مكتوبة في نسخ متعدّدة، وأنّ كثيراً من الشيوخ كانوا يروون تلك الأخبار طبقة بعد طبقة عن الطبقة السابقة فتتعدّد النسخ لا محالة، ولا أقلّ من احتمال ذلك، ومقتضى العادة أنّ الدسّاس مهما يكن نافذاً ببصره وخبثه لا يتّفق له أن يدسّ في تمام النسخ، وإنّما تتّفق له السيطرة على بعض النسخ عن طريق الاستعارة أو طريق آخر فيدسّ فيها، وعليه فلسنا نعلم أنّ النسخ التي انتهى أمرها إلى المشايخ الثلاثة ـ رضوان الله عليهم ـ كانت من النسخ المدسوسة. وهذا الحديث لم يبيّن إلّا قضيّة مهملة لا إطلاق فيها، فدليل الحجّيّة يشمل الطرق الصحيحة لهم ـ رضوان الله عليهم ـ إلى تلك الاُصول؛ لاحتمال مطابقة تلك النسخ للواقع بأن لم يجد الدسّ من أوّل الأمر إليها سبيلاً، أو أنّها طهّرت من الدسّ بالتدريج وتطبيق نسخة على نسخة، وإذا جاء هذا الاحتمال ـ حتّى لو لم يصل إلى مستوى الظنّ ـ كفى في شمول دليل الحجّيّة لتلك الطرق، ولا يبقى للعلم الإجماليّ المذكور أثر في المقام.

الجهة الثانية: أنّه قد يقال في المقام: لو تمّ الاستدلال ببعض الروايات السابقة على تحكيم الكتاب في الروايات بمعنى إسقاط ما يخالف الكتاب بمثل العموم من وجه من دون أن يتعارضا ويتساقطا، فظاهر هذه الرواية يخالف ذلك في مورد العلم بعدم الدسّ؛ لأنّ ظاهرها أنّ تحكيم الكتاب إنّما هو بلحاظ الدسّ؛ إذ علّل ذلك بالدسّ، فلو علمنا في حديث مّا أنّه قد صدر حقّاً عن هذا الثقة وليس مدسوساً وموضوعاً عليه لم يصحّ تحكيم الكتاب بالنسبة إليه.

والتحقيق: أنّ التحكيم الذي جعله في هذه الرواية في طول الدسّ غير التحكيم الذي قد يفرض مسقطاً لما يخالف الكتاب بمثل العموم من وجه، فالثاني عبارة عن جعل المخالفة للكتاب موجبة لإسقاط الحديث ومانعة عن حجّيّته، والأوّل عبارة عن تحكيم الموافقة للكتاب في طول الدسّ، وهذا يعني في الحقيقة أنّ