المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

384

تحكيم الكتاب وأخبار العامّة ورفع التحيّر بذلك، كما هو ظاهر الصحيحة، فقددلّت هذه الصحيحة على حجّيّة الخبر المخالف للكتاب في الجملة بغضّ النظر عن خبر آخر معارض له، وهي لا تدلّ على أزيد من حجّيّة الخبر المخالف للكتاب بالأخصّيّة وما يشبهه ممّا يصلح للقرينيّة، ولا تشمل مثل المخالفة بالعموم من وجه: إمّا لأنّها قضيّة مهملة؛ إذ ليست بصدد بيان الحجّيّة حتّى يكون لها إطلاق، والمهملة في قوّة الجزئيّة، فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن وهو ما ذكرناه، أو لأنّها بنفسها قضيّة جزئيّة توجد فيها قرينة على عدم إرادة مثل المخالفة بالعموم من وجه؛ وذلك لأنّ المخالف بالعموم من وجه للكتاب في نفسه غير حجّة بقطع النظر عن خبر آخر معارض له؛ إذ هو مبتلى بمعارضة الكتاب، فيسقط عن الحجّيّة ولو من باب تساقط كلا المتعارضين عن الحجّيّة، وقد قلنا: إنّ ظاهر الصحيحة أنّ كلاًّ من الحديثين لولا الآخر لكان حجّة.

ثُمّ إنّ السيرة العقلائيّة القائمة على العمل بهذا الحديث لصحّة سنده غير مردوعة بما مضى: من صحيحة جميل؛ إذ ليست هذه الصحيحة خلاف الكتاب؛ إذ لم يدلّ الكتاب على عدم حجّيّة خبر مخالف للكتاب، فكلّ من الصحيحتين حجّة، نأخذ بكلتيهما ونقيّد الاُولى بالثانية؛ لاختصاص الثانية بالمخالف بنحو القرينيّة، فيتحصّل من ذلك: أنّ كلّ خبر خالف الكتاب إن كان بنحو يصلح للقرينيّة، كالخاصّ بالنسبة للعامّ، فهو حجّة، ويقدّم على ظاهر الكتاب. وإن كان مخالفاً للكتاب بمثل العموم من وجه، فهو غير حجّة، ويطرح ويؤخذ بالكتاب، لا أنّهيتساقط هو مع الكتاب بالتعارض عن الحجّيّة(1).

 


(1) وهناك وجوه اُخرى للردّ على الاستدلال بصحيحة جميل لإسقاط الخبر المخالف للكتاب بمثل الأخصّيّة عن الحجّيّة:

الأوّل: أن يقال: إنّ المقصود بصحيحة جميل نفي الصدور لا نفي مجرّد الحجّيّة، وذلك