المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

348

وأمّا آية النفر: فهي أيضاً واردة في سورة مدنيّة(1)، مضافاً إلى أنّ مضمون آية النفر لا يناسب وجود النبيّ(صلى الله عليه وآله)في مكّة؛ إذ في ذلك الزمان كان المسلمون قليلين ومضطهدين ومبتلين بالأذايا والمحن من قِبَل الأعداء ملتفّين حول رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا معنى لأن يخاطب مثل هؤلاء بمثل قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون﴾، وإنّما يناسب ذلك مع انتشار الإسلام وكثرة المسلمين، ووجودهم في الأقطار، والقدرة على التخطيط للدعوة والتبشير في المناطق، فبمجموع ذلك نطمئنّ أنّ هذه الآية نزلت أيضاً في المدينة.

وأمّا الآيتان الدالّتان على عدم حجّيّة الظنّ ـ بحسب الفرض ـ فهما بحسب السياق مكّيّتان؛ إذ اُدرجت كلّ منهما في سورة مكّيّة، مضافاً إلى أنّ آية النهي عن العمل بغير العلم أثبتت في وسط آيات كثيرة كلّها تبيّن الاُمور التي تكون قريبة المأخذ من العقل العمليّ والفطرة، وبتتبّع الآيات المدنيّة والمكّيّة بالدقّة يعرف أنّ الآيات المكّيّة عادةً قريبة المأخذ من الفطرة والعقل العمليّ، وأنّ الآيات المدنيّة نزلت بعد أن كانت مطالب العقل العمليّ مفروغاً عنها، فهي تبيّن مطالب اُخرى. وآية الردع عن الظنّ وردت في مقام التعريض بعقائد المشركين، والآيات التي تكون هكذا هي غالباً مكّيّة باعتبار أنّ الإسلام في مكّة كان ابتلاؤه مع المشركين، وفي المدينة كان أغلب مناقشاته وألوان احتجاجه مع المسيحيّين واليهود. فإن حصل الاطمئنان من مجموع هذه القرائن بكون الآيتين مكّيّتين، أو قلنا بأنّ إدراجهما في سورة مكّيّة أمارة تعبّديّة على ذلك، فقد تمّت الصغرى.

وأمّا الكبرى: فهي عبارة عن القول بأنّه إذا دار الأمر في الأدلّة الواردة في


(1) سورة التوبة، الآية: 122.