المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

346

وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾، فإنّ مقتضى التعليل بفرض المسؤوليّة في المرتبة السابقة على هذا النهي كون هذا النهي إرشاديّاً، ولذا وقع في طول المسؤوليّة، ولو كان مولويّاً وفي مقام بيان عدم الحجّيّة لكانت المسؤوليّة في طوله وليس العكس.

وأمّا قوله تعالى: ﴿إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾، فهو أيضاً لا يدلّ على نفي حجّيّة الظنّ؛ إذ:

أوّلاً: أنّ الآية لم تدلّ إلّا على عتاب اُولئك الذين اتّبعوا الظنّ في الاعتقاديّات معلّلة ذلك بقوله تعالى: ﴿إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾، ونحن نعلم أنّ عدم إغناء الظنّ من الحقّ لا يصلح علّة للعتاب على اتّباع الظنّ إلّا حينما يكون المطلوب هو الوصول إلى الحقّ والواقع، كما هو الحال في اُصول الدين، كما هو مركوز في الأذهان وثابت في الأديان، وليست الآية بصدد بيان أنّه متى يكون المطلوب هو الوصول إلى الواقع ومتى لا يكون. وكون المطلوب في الفروع هو الوصول إلى الواقع أوّل الكلام؛ إذ بناءً على حجّيّة خبر الواحد فيها يكفي تفريغ الذمّة تجاه الواقع بالعمل بخبر الواحد بلا حاجة للوصول إلى الواقع.

وثانياً: أنّنا لو غضضنا النظر عن تلك النكتة قلنا أيضاً: ليس من المعلوم كون المقصود بالآية المباركة نفي حجّيّة الظنّ، بل من الممكن حملها على الإرشاد إلى أنّ الظنّ لا يصلح سنداً مباشراً للإنسان في عمله ورأس الخيط له في الاعتماد والاتّكاء، وهذا ممّا لا شكّ فيه. ومن يرى حجّيّة خبر الواحد إنّما يعتمد على علمه بحجّيّته، لا على مجرّد كون خبر الواحد مورثاً للظنّ، ولم تأت في الآية المباركة صيغة النهي كما في الآية الاُولى، كي يقول قائل: إنّ صيغة النهي ظاهرة بطبعها في المولويّة لا الإرشاد.

وثالثاً: أنّ هناك قرينة في الآية المباركة تدلّ على أنّها للإرشاد إلى عدم