المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

323

 

التواتر

أمّا بحث التواتر: فأساس حصول العلم في التواتر هو ما عرفته في باب الإجماع: من تراكم احتمالات الصدق وتعاضدها فيما بينها إلى أن تنقلب إلى القطع وضعف احتمال كذب المجموع بضرب القيم الاحتماليّة لكذب كلّ واحد بعضها في البعض الآخر ممّا يؤدّي إلى ضآلة احتمال كذب الخبر، إضافة إلى الضعف الناشئ من فرضيّة تماثل الصدف. وتوضيح ذلك: أنّ ضعف مخالفة الخبر المتواتر للواقع ينشأ من أمرين:

الأوّل: ما نسمّيه بالمضعّف الكمّيّ، وهو التكثّر العدديّ للأخبار المؤدّي إلى ضرب القيم الاحتماليّة للكذب بعضها في بعض، ولابدّ في حساب ذلك من النظر إلى أصل قيمة كذب كلّ خبر، فإنّ نتيجة ضرب الكسور الضئيلة أصغر من نتيجة ضرب الكسور الكبيرة. فكلّما كان احتمال الكذب منذ البدء أضعف، كان الوصول إلى العلم بتراكم الأخبار أسرع.

والثاني: ما نسمّيه بالمضعّف الكيفيّ، وهو الضعف الناشئ من تماثل الصدف المتكرّرة ووحدة مصبّ الخطأ أو مصبّ داعي الكذب، فتجمّع دواعي الكذب أو أسباب الخطأ على نقطة واحدة أبعد من انقسامها على نقاط متعدّدة، فمثلاً لو صمّم آلاف من الناس الكذّابين على اختلاق قصّة كاذبة، فاختلق كلّ واحد منهم قصّة غير قصّة الآخر لم تكن في ذلك غرابة. أمّا لو اختلق كلّ واحد منهم عين قصّة الآخر صدفة، ومن دون اطّلاع على ما اختلقه الآخر، لعدّ ذلك من أعجب الغرائب؛ لأنّ الناس مختلفون عادةً في أفكارهم وظروفهم ومصالحهم والإيحاءات التي يجدونها في أنفسهم وما إلى ذلك، فاتّفاقهم رغم كلّ هذا على اختلاق قصّة واحدة على أساس توارد الخواطر على شيء واحد بعيد غاية البُعد.