المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

316

الرابع: أن يقال: إنّنا حتّى الآن فرضنا أنّه لا ملازمة بين الإجماع أو التواتر وصحّة الحكم أو الخبر، وإنّما الملازمة بين العلم بهذا والعلم بذاك، ومن هنا برز الإشكال بتقريب: أنّ الإخبار عن الإجماع أو التواتر ليس إخباراً بالملازمة عن الحكم أو الأمر المنقول بالتواتر، ولكنّا نقول الآن: صحيح أنّه لا ملازمة بين الإجماع أو التواتر وصحّة المصبّ، فليس من المستحيل عقلاً الانفكاك بينهما، ولكن الملازمة الاتّفاقيّة أو العاديّة بالمعنى الذي شرحناه فيما سبق ممّا لا تنكر، فنحن نعلم أنّ اتّفاق الآراء أو الأخبار ضمن ظروف معيّنة: من عدم توفّر أسباب الخطأ أو دواعي الكذب، يلازم صحّة الحكم وصدق الخبر، وهذه الظروف والشروط محرزة ـ ولو ببركة حساب الاحتمالات ـ في كلّ إجماع أو تواتر مورث للعلم. إذن فالملازمة بين الإجماع أو التواتر مع تلك الشروط أو الظروف وبين صدق الخبر أو الحكم ثابتة، وقد أخبر المخبر بالإجماع أو التواتر عن حسّ، والمفروض أنّ ما أخبر به لو علمناه لعلمنا بصحّة مصبّه، وهذا يعني أنّنا نعتقد أنّه سنخ إجماع وتواتر ملازم في الصدق لصدق الحكم أو الخبر، فالإخبار عنه إخبار بالملازمة عن الحكم والخبر.

ويمكن الإيراد على ذلك بأنّ علمنا بتحقّق الشروط والظروف الدخيلة في الملازمة إنّما هو في طول حساب الاحتمالات، وحساب الاحتمالات يجري في كلّ فرد من الإجماعات والتواترات حتّى المستقبليّة، لكن على شكل القضيّة الخارجيّة لا الحقيقيّة. فصحيح أنّنا نعلم بأنّ التواتر لا يخطأ وأنّ علمنا هذا شامل حتّى للتواترات المستقبليّة، ولكن ليس علمنا هذا على نهج القضيّة الحقيقيّة سنخ علمنا بأنّ كلّ نقيض لو وجد يستحيل انفكاكه عن عدم النقيض الآخر، وإنّما علمنا هذا ناتج عن إجراء حساب الاحتمالات على كلّ فرد فرد من التواترات الماضية والحاليّة والمستقبليّة، ولا يشمل الأفراد الفرضيّة كما هو الحال في القضايا