المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

292

مثال ذلك مسألة خمس أرباح المكاسب، فهي مسألة عامّة الابتلاء للشيعة، ووجوب الخمس فيها مؤونة زائدة عليهم وعلى خلاف الطبع، وتتوفّر الدواعي على التفتيش والسؤال عن ذلك، وعلى فرض كون الجواب الصحيح هو النفي فداعي الإجابة على ذلك بشكل واضح وعلنيّ موجود لدى الإمام(عليه السلام)؛ لأنّ الحكم ليس خلاف التقيّة، بل هو على وفق مذاق العامّة وعلى طبق الظروف الخارجيّة التي كان الإمام(عليه السلام) مبتلى بها، إضافة إلى أنّ ارتباط الشيعة في دفع الخمس كان بالإمام(عليه السلام) أو وكلائه على ما يقتضيه طبع هذا الحكم، فإنّ وجوب الخمس ليس حاله حال وجوب قراءة السورة في الصلاة ـ مثلاً ـ الذي هو عمل فرديّ للمصلّي ولا يتطلّب احتكاكاً بالإمام أو وكلائه، وإنّما معنى وجوب الخمس وجوب إعطائه للإمام أو وكلائه، وقد ثبت بالتواتر الإجماليّ أنّه كان للإمام(عليه السلام)وكلاء في البلاد التي كانت تسكن فيها الشيعة، فمع كلّ هذا يكون اختفاء حكم ذلك على الشيعة مستبعداً جدّاً. فهذه كلّها أمارات تدلّ على أنّه لو كان الحكم الواقعيّ هو عدم وجوب الخمس في أرباح المكاسب، لشاع ذلك ولم يعقل وقوع الإجماع من الشيعة على الوجوب، فهذا الإجماع في مثل هذا المورد ـ بالرغم من عدم الاعتماد في موارد اُخرى على الإجماع المحتمل المدركيّة أو المظنون المدركيّة ـ يكون دليلاً قطعيّاً على الحكم، بل لا حاجة في مثل هذا المورد إلى الإجماع وتكفينا الشهرة، فلا يضرّنا نقل الخلاف من ابن أبي عقيل أو شخص آخر في خمس أرباح المكاسب إن صحّ ذلك.

وهناك وجه آخر لدلالة الإجماع بالعقل النظريّ على صحّة متعلّقه لا يختصّ بما إذا كان متعلّقه واقع الحكم، بل يشمل ما إذا كان متعلّقه جامع الوظيفة الملائم أيضاً لفرض وجود حجّة تعبّديّة عليه. فهذا الوجه كما يناسب المقام كذلك يناسب ما سيأتي: من المقام الثاني، ونحن نؤجّل بحثه بكلا شقّيه إلى المقام الثاني؛ إذ لا فرق في الحقيقة في البحث عن ذلك بين الشقّين إلّا في اُمور جزئيّة ننبّه عليها ـ إن شاء الله ـ في ذلك المقام.