المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

288

وإن كان المقصود المصلحة التي هي ثابتة قبل الحكم في متعلّقات الأحكام قلنا: لا جزم لنا بلزوم اللطف على الله تعالى بإيصال تمام المصالح التشريعيّة إلى العباد بأكثر ممّا تقتضيه العوامل الطبيعيّة وجهود الإنسان نفسه، فلعلّ هناك مصلحة في عدم إيصال بعضها بالشكل المطلوب هنا، وإيكال الأمر إلى ما تقتضيه العوامل الطبيعيّة وسعي الناس أنفسهم، وما إلى ذلك ممّا يوجب وصول الحكم الواقعيّ إليهم ولو بعد مئات السنين، وقد رأينا نظيره في المصالح الطبيعيّة، فكم مضى من آلاف السنين على عمر الإنسان وهو لا يعرف دواء السلّ، كما أنّه لم يتوصّل حتّى الآن إلى معرفة دواء السرطان، وقد اقتضت المصلحة الإلهيّة إيكال انكشاف أسرار الطبيعة ومصالحها ودفع مفاسدها إلى العوامل الطبيعيّة وسعي الإنسان، فلم لا تكون المصالح التشريعيّة أيضاً من هذا القبيل؟ ولا يقاس المقام بمسألة إرسال الرسل وإنزال الكتب، فإنّ ذلك مشتمل على القسم الأوّل من المصلحة، أي: التي هي في طول الحكم والتي كانت تفوت لولا إرسال الرسل وإنزال الكتب(1).

وثانياً: أنّ المقصود من إيصال الحكم إلى الناس الواجب باللطف على الله تعالى هل هو جعل نكتة في معرض وصول الكلّ تمكّن كلّ واحد منهم ـ ولو بجهد


(1) كأنّ خلاصة هذا النقاش: أنّه لو آمنّا بوجوب اللطف بالإيصال فإنّما نؤمن بذلك بمعنى فتح الطرق الطبيعيّة للوصول وإن تأخّرت فعليّة الوصول آلاف السنين؛ إذ من المحتمل وجود مصلحة في الاكتفاء بهذا المقدار، وتحقيق هذا المقدار بالنسبة للمصلحة التي تكون في طول الحكم يكون بالتشريع وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وبالنسبة للمصالح الطبيعيّة يكون بتزويد البشر بقابليّة تحصيل الخبرات والتجربة، وبالنسبة للمصالح التشريعيّة التي هي قبل الحكم يكون أيضاً بتبليغ الحكم على لسان المبلّغ الأعظم عليه وعلى آله آلاف التحيّة والسلام، وإن كان قد يمنع ظلم الظالمين ـ مثلاً ـ عن الوصول.