المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

259

متعبّد ثابت من قِبَل العقلاء، أو الشارع، أو إمضاء الشارع، أو غير ذلك.

وهناك علاميّة اُخرى للتبادر تعبّديّة، وتوضيح ذلك: أنّ السامع لو سمع من المولى قوله مثلاً: (ائتني بأسد يعيش في الحديقة) وتبادر إلى ذهنه من كلمة (الأسد) الحيوان المفترس، فهذا ظهور فعليّ في طلب الحيوان المفترس، وهو الذي قال عنه الاُصوليّون المتأخّرون: إنّه هو موضوع الحجّيّة، ونحن بيّنّا أنّ موضوع الحجّيّة هو الظهور اللغويّ لا الظهور الفعليّ، ولا يهمّنا الآن أنّ هذا التبادر هل نتج عن الوضع، أو نتج عن القرينة، وأنّ هذا المعنى هل هو معنى حقيقيّ، أو مجازيّ؟ وإنّما يهمّنا أن نرى أنّ هذا الظهور الفعليّ هل هو مطابق للظهور اللغويّ، أي: لما يقتضيه نظام اللغة بالمعنى الواسع الشامل للقرائن والمناسبات العامّة، أو لا؟ فإن كان هذا الظهور الفعليّ ناتجاً عن نظام اللغة، إذن هو يكشف عن مراد المولى، فهو حجّة لنا سواء كان حقيقة أو مجازاً، وإن كان قد تدخّلت في تكوّن هذا الظهور في ذهننا إضافة إلى نظام اللغة خصوصيّات اُخرى نفسيّة لا تمت إلى نظام اللغة بصلة، إذن هذا الظهور لا يكشف عن مراد المولى، مثلاً نفترض أنّنا ذهبنا بالأمس إلى حديقة الحيوانات فتبادر إلى ذهننا من هذا الكلام الحديقة التي رأيناها، فإذا جاء هذا الاحتمال، وهو احتمال تدخّل خصوصيّات اُخرى غير نظام اللغة فيما تكوّن لدينا من ظهور ناتجة عن ثقافتنا الخاصّة أو بيئاتنا الخاصّة أو نحو ذلك، فعندئذ قد يتّفق إمكان طرد هذا الاحتمال بعرض الكلام على ناس آخرين من ثقافات وبيئات مختلفة، فإن فهموا منها معنىً معيّناً واحداً كان احتمال أن لا يكون هو المعنى اللغويّ وأن يكون فهم جميع هؤلاء ناشئاً من خصوصيّاتهم الشخصيّة مستبعداً بحساب الاحتمالات.

وقد لا تتاح للإنسان فرصة علاج من هذا القبيل، ولكن العقلاء بنوا على العلاميّة التعبّديّة للتبادر، فإنّ بناء العقلاء قائم على التعبّد بإحراز الظهور اللغويّ