المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

258

آخر لتكوّن هذه الرابطة في الذهن، وهو الوقوف على استعمالات كثيرة، فالطفل حينما يسمع كثيراً كلمة (الحليب) مقترناً ذلك برؤية الحليب تتكوّن في ذهنه هذه الرابطة بين اللفظ والمعنى، فكثرة استعمال اللفظ أمامه في هذا المعنى مطلقاً وفي جميع الأحوال تقوم مقام العلم بالوضع وتحدث في ذهنه نفس الرابطة قبل أن يعلم شيئاً عن الوضع، وبعد هذا يستدلّ بهذه العلاقة على الحقيقة.

أمّا أنّه كيف يفرّق بين الحقيقة والمجاز مع وجود هذه العلاقة في المجاز أيضاً؟ فطريق الفرق بينهما هو: أنّ هذه الرابطة في باب الحقيقة رابطة مطلقة، وفي باب المجاز رابطة مقيّدة بشروط معيّنة، والرابطة المطلقة نتيجة للاستعمال المطّرد، والاستعمال المطّرد نتيجة للوضع، وحينما لا يكون الاستعمال مطّرداً لا تتولّد رابطة مطلقة، ولا يكون الاستعمال حقيقة بل هو مجاز.

وقد تحصّل: أنّ التبادر لا يتوقّف على العلم بالوضع حتّى يلزم من الاستدلال به على الوضع الدور، وإذا اتّضح أنّ التبادر لا يتوقّف على العلم بالوضع انفتح المجال للدخول في التعليق الثالث، فنقول:

وأمّا التعليق الثالث ـ وهو فرض الشكّ في استناد التبادر إلى القرينة وعدمه ـ: فنحن نفسّره بالطريق الفنّيّ بأن نقول: إنّ هذا الطفل الذي تعلّم اللغة على الطريقة الحياتيّة قد يشكّ في أنّ هذه الرابطة بين اللفظ والمعنى هل هي رابطة مطلقة، أو رابطة مقيّدة بشروط معيّنة ومكتنفات خاصّة للكلام، وعندئذ تكون طريقة معرفة المطلب بتغيير الأحوال حالاً بعد حال، فإذا رأى ـ مثلاً ـ عشرين مورداً مختلف الأحوال كلّها مشتركة في وجود هذا التبادر وهذه الرابطة، عرف بحساب الاحتمالات أنّ هذه رابطة مطلقة، كما هو الحال في اكتشاف العلّيّة في باب التجربة في الاُمور الخارجيّة. وهذه العلاميّة للتبادر علاميّة حقيقيّة تكوينيّة قائمة على أساس قوانين حساب الاحتمالات غير محتاجة إلى جعل جاعل أو تعبّد