المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

257

البعض، أو تخلق بالجعل وتنشأ بالإنشاء كما عليه جملة من الناس، أو تحصل بالتعهّد كما عليه بعض آخر، أو أنّها شيء آخر غير هذه الاُمور؟

كلّ ما اُفيد في الاُصول الرسميّ من التفصيلات لكيفيّة تكوّن هذه العلاقة قد أوضحنا في بحث الوضع أنّها لا تصلح لتفسير هذه العلاقة، وبيّنّا هناك حقيقة هذه العلاقة وكيفيّة تكوّنها، ولا يسع المجال للتفصيل ولكنّنا نشير إلى أنّه كما توجد في باب التصديق واسطة بين الحدّ الأصغر والحدّ الأكبر ـ وهي ما تسمّى بالحدّ الأوسط ـ تؤدّي إلى الجزم بثبوت أحدهما للآخر، كذلك في باب التصوّر نتصوّر موضوعين بينهما واسطة ورابطة، وهي رابطة القرن الأكيد تجعل الذهن ينتقل من تصوّر أحدهما إلى تصوّر الآخر، أي: أنّ بينهما حدّ أوسط تصوّريّ أدّى إلى هذه النتيجة، مثلاً نفترض أنّ شخصاً سافر إلى البصرة مرّة واحدة في حياته، وسرق في هذه السفرة جميع أمواله ومتاعه ثُمّ رجع إلى محلّه، فهنا يوجد موضوعان: أحدهما: السفر إلى البصرة، والآخر: السرقة، وقد ارتبطا برابط القرن الأكيد بين التصوّرين في الذهن، وبعد هذا مادامت هذه الرابطة قائمة في عالم النفس متى ما سمع هذا الشخص حديثاً عن البصرة تذكّر السرقة، ونفس هذه الرابطة التي هي أمر عامّ في كثير من الموارد نتصوّرها في باب الوضع ونقول: إنّ وظيفة الوضع هي إحداث هذه الرابطة بين اللفظ والمعنى، لا جعل الملازمة؛ لأنّ الملازمة غير قابلة للجعل، وإذا حدثت هذه الرابطة فمادامت قائمة ينتقل الذهن من اللفظ إلى المعنى انتقالاً تصوّريّاً، أمّا كيف تتمّ هذه العمليّة وما هو كنهها؟ فذا موكول إلى بحث الوضع. ثُمّ الواضع إذا وضع اللفظ للمعنى دون أن يخبر أحداً بحسب الخارج، لم ينتقل ذهن السامع من هذا اللفظ إلى المعنى؛ لأنّ الرابطة لم توجد في ذهنه، والانتقال من أحد الحدّين إلى الآخر فرع وجود الرابطة في ذهن المنتقل، إلّا أنّ تكوّن هذه الرابطة في الذهن ليس منشؤه منحصراً في العلم بالوضع، بل هنا منشأ