المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

256

(الماء) من قبل أبناء اللسان، فإذا رأى تبادر معنىً لهم من هذه الكلمة جعل ذلك دليلاً على الوضع.

فهذا الطفل رغم عدم تصوّره للوضع فضلاً عن علمه به، قد تكوّن لديه التبادر، ولم يكن التبادر لديه معلولاً لعلم ثابت له في الرتبة السابقة عليه بالوضع، وبعد هذا حينما يكبر الطفل ويعرف أنّ هناك لغة ولفظاً ومعنىً ووضعاً يستنتج من نفس التبادر الموجود لديه أنّ كلمة (الماء) موضوعة للمعنى الفلانيّ، فقد مرّ كلّ واحد منّا بدور استنتاج الأوضاع من التبادرات، حتّى اُولئك المشكلون بالدور قد مرّوا بهذه المرحلة واستخدموا هذه العلامة من دون أن يقعوا في الدور. هذا مثال وجدانيّ لتوضيح الفكرة.

وأمّا حقيقة الفكرة في المقام فلا يسعنا تفصيل الكلام فيها هنا، فإنّ هذه الفكرة مستقاة من مباني وتحقيقات في بحث الوضع، وكان ينبغي جعل بحث الوضع مقدّمة لبحث الظواهر، ولكنّنا مادمنا نبحث وفق المنهج الرسميّ المتعارف لبحث الاُصول، فقد حصل الفصل بين بحث الوضع وبحث الظواهر، وعلى أيّ حال فنحن نذكر المدّعى هنا بنحو الإجمال ونستنتج منه النتيجة المقصودة:

إنّ في بحث الوضع مشكلة عويصة جدّاً، وهي: كيف نفسّر علاقة اللفظ بالمعنى؟ وهذه العلاقة أمر حقيقيّ لا مجرّد اعتبار أو خيال؛ بدليل أنّ تصوّر أحدهما يخلق حقيقة تصوّر الآخر في الذهن، فهناك علّيّة ومعلوليّة حقيقيّة بين الأمرين، أعني: تصوّر اللفظ، وتصوّر المعنى، وليست علّيّة ومعلوليّة اعتباريّة فرضيّة، من قبيل أن تعتبر النار علّة للبرودة بينما لا تترتّب البرودة على النار مهما كرّرنا الاعتبار؛ لأنّ العلّيّة هنا لم توجد حقيقة وإنّما وجدت اعتباراً، بخلافها في محلّ الكلام، وإلّا لكان حال تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى حال النار والبرودة.

إذن فكيف نفسّر هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى؟ هل هي علاقة ذاتيّة كما يتوهّم