المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

254

وأجابوا عن هذا الإشكال بطريقين كما هو موجود في الكفاية وغيره من الكتب المرسومة:

الأوّل: أنّ العلم التفصيليّ بالوضع يتوقّف على التبادر، والتبادر يتوقّف على العلم الإجماليّ الارتكازيّ. ومقصودهم بالتفصيل والإجمال هنا التفات النفس إلى المعلوم وعدم التفاتها إليه رغم وجوده في حاقّ النفس، وليس المقصود من عدم الالتفات النسيان، فإنّ النسيان يوجب زوال العلم، بل المقصود عدم توجّه النفس إليه بالفعل. مثلاً كلّنا نعلم معنى (التمر) ولكن قبل إلقاء هذه الكلمة لم تكن متوجّهاً توجّهاً خاصّاً إلى علمك بمعنى (التمر)، فقد كان علمك به إجماليّاً ارتكازيّاً والآن أصبح علماً تفصيليّاً.

والثاني: الفرق بين العالم والمستعلم، بأن نفرض أنّ التبادر عند العالم علامة لدى الجاهل، فلو أنّ شخصاً من خارج أبناء اللسان ـ مثلاً ـ دخل مجلسهم ورآهم أنّ كلمة (التمر) توجب تبادر المعنى الفلانيّ إلى أذهانهم، عرف أنّ كلمة (التمر) موضوعة لذاك المعنى.

التعليق الثالث: أنّ التبادر إنّما يكون علامة على الحقيقة فيما إذا اُحرز عدم القرينة، أمّا إذا شكّ في وجود القرينة وعدمها فلا يكون التبادر علامة الوضع؛ إذ لا يدلّ معلول له علّتان على إحدى العلّتين بالخصوص، ولا يمكن نفي القرينة بأصالة عدم القرينة كي يثبت انحصار الأمر بالوضع؛ لأنّ أصالة عدم القرينة ـ على ما قالوا ـ تجري في موارد الشكّ في المراد لا الشكّ في الاستناد.

أقول: إنّ بين التعليق الثاني والثالث شيئاً من التدافع؛ إذ في التعليق الثاني فرض أنّ التبادر مرتّب على العلم بالوضع لا على نفس الوضع، بينما التعليق الثالث إنّما ينسجم مع فرض ترتّب التبادر على نفس الوضع حتّى يعقل الشكّ في أنّ هذا التبادر هل هو مستند إلى الوضع، أو لا يوجد وضع في المقام وأنّ التبادر