المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

250

وهذا يعني أنّه فرض أمر موضوع الحجّيّة مردّداً بين الوضع والظهور الفعليّ، وبما أنّنا لا نقول بأنّ موضوع الحجّيّة هو الوضع، وإلّا لزم جريان أصالة الحقيقة عند الشكّ في قرينيّة المتّصل، بينما لا نلتزم بذلك، إذن فلزم القول بأنّ موضوع الحجّيّة هو الظهور الفعليّ وهو أمر لا معنى للشكّ فيه.

والواقع: أنّ توهّم دوران الأمر بين هذين الشقّين أوجب كثيراً من التفريعات والمغالطات في كلمات الاُصوليّين المتأخّرين التي لم تكن موجودة في كلمات الاُصوليّين المتقدّمين، والصحيح أنّ موضوع الحجّيّة ليس أمره مردّداً بين الوضع والظهور الفعليّ بالمعنى الذي لا يمكن الشكّ فيه، بل هناك أمر ثالث نختار كونه موضوعاً للحجّيّة بإمكاننا أن نعبّر عنه بالظهور اللغويّ(1)، ومعه نستطيع أن نجمع بين إمكانيّة الشكّ في الظهور من ناحية، وبين عدم جريان أصالة الحقيقة عند الشكّ في قرينيّة المتّصل من ناحية اُخرى، ولا نقصد بالظهور اللغويّ ما نسب إلى المتقدّمين جعله موضوعاً للحجّيّة من المعنى المستفاد من حاقّ الوضع، كي يلزم من ذلك جريان أصالة الحقيقة عند الشكّ في قرينيّة المتّصل، بل نقصد به الدلالة التصديقيّة النهائيّة التي تتعيّن للكلام بلحاظ مجموع النظم والقوانين الموجودة لدى العرف لاقتناص المراد، وإن شئت فسمّ ذلك بلغة أهل العرف في مقابل اللغة الأصيلة، وأظنّ أن مقصود المتقدّمين كان هو هذا لا ما نسب إليهم، والظهور بهذا المعنى دائماً هو شيء واحد قد يعرفه شخص ويجهله شخص آخر، ومن المعقول وقوع الشكّ فيه، فإنّ هذا الظهور أمر واقعيّ لا يختلف من شخص لآخر ثابت بثبوت تلك اللغة العرفيّة وقوانينها ونظمها، فقوانين اللغة دائماً تقتضي معنىً معيّناً


(1) وهذا ما سمّـاه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في الحلقة الثالثة من حلقات كتابه (دروس في علم الاُصول) بالظهور الموضوعيّ، وسمّى الظهور الفعليّ هناك بالظهور الذاتيّ.