المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

247

أمّا مسألة جعل الكتاب مبهماً وغامضاً كي تقع الحاجة إلى الإمام فلابدّ في المرتبة السابقة على ذلك من إثبات أصل النبوّة والرسالة كي يصبح الناس مستعدّين للرجوع إلى الإمام(عليه السلام) في مقام تفسير القرآن، والقرآن هو المتصدّي لإثبات أصل النبوّة والرسالة في المرتبة السابقة على الإمام، فلابدّ أن يكون واضحاً ومفهوماً في المرتبة السابقة على إثبات الإمام.

وأمّا دعوى الإجمال الذاتيّ الناشئ من طبع القضيّة: فأيضاً سخيفة غاية السخف:

أمّا أوّلاً: فلأنّ الكتاب تلحظ في مقام حصوله على أعلى درجات الكمال نكتة الغرض من ذلك الكتاب ومدى نجاحه في تحقيق الغرض، فإذا كتب شخص كتاباً في الهندسة فغرضه اكتشاف قوانين مطلقة لعالم الكون المادّيّ، فكلّما كان الكاتب أكثر دقّة وعمقاً في اكتشاف تلك القوانين، وأكثر قدرة على البرهنة عليها ودفع الشبهات عنها يكون أحسن وأكمل، وهذا ما يبعده عن فهم الناس الاعتياديّين، ولو فرض أنّه تعالى أنزل كتاباً بهذا الغرض للزم أن تكون دقّته فوق دقّة كتاب هندسة اُقليدس بما لا يتناهى من المراتب. أمّا لو فرض أنّ شخصاً ألّف كتاباً بقصد هداية البشر وتوجيههم إلى طريق الحقّ، وصنع الإنسان الصالح المؤمن السعيد في دنياه وآخرته، فعندئذ يقاس مقدار نجاح هذا الكاتب وكماله بمقدار حصول هذا الغرض وإحاطته بالجهات الدخيلة في ذلك، والقرآن بالغ في ذلك حدّ الإعجاز، ويتحدّى الناس بذلك حتّى يومنا هذا، وهذا يقتضي عكس ما ادّعيتم، فإنّ هذا الغرض لا يحصل ببيان الألغاز العلميّة والرموز الفنّيّة البعيدة عن فهم الناس؛ لأنّ هذه لا تخلق الناس الصالحين، بل لابدّ من ذكر تمام المؤثّرات الدخيلة في تغيير الإنسان روحيّاً وخلقيّاً وفكريّاً وعاطفيّاً وسائر النواحي الإنسانيّة، ولابدّ أن تكون المعاني واضحة ميسّرة، وملتقية مع عواطف الناس ومشاعرهم وأحاسيسهم، وقادرة على النفوذ إلى قلوب الناس كي تغيّر هذه القلوب وتخرجها من الظلمات