الكتاب، وجعل الكتاب معياراً لتمييز الأخبار الصحيحة عن الأخبار الكاذبة، على عكس ما يقوله الأخباريّون: من فرض أخبار الأئمّة أصلاً والكتاب فرعاً يفسّر بلحاظها. وقد ادّعي تواتر هذه الطائفة.
والإنصاف: أنّ هذه الطائفة من أقوى الأدلّة على حجّيّة ظواهر الكتاب الكريم، ولا يأتي هنا احتمالنا السابق في الطائفة الثانية؛ إذ المفروض في هذه الأخبار جعل القرآن مقياساً لصحّة الخبر وسقمه، فإذا فرض أنّ العبرة بالقرآن المفسّر بالخبر كان ذلك رجوعاً مرّة اُخرى إلى الخبر، فينتهي ذلك إلى جعل نفس الخبر مقياساً لصحّة الخبر وسقمه، وهذا ممّا لا معنى له ولا يحتمل. وهذا بخلاف باب الشروط، فهناك لا يكون تهافت في أن يكون مقياس صحّة الشروط وفسادها مخالفتها للقرآن المفسّر بالخبر وعدمها.
والحاصل: أنّ المتفاهم عرفاً من هذه الطائفة بشكل واضح لاخفاء عليه أنّ القرآن هو الأصل وأنّ الأخبار هي الفرع، وأنّ كلّ ما خالف الكتاب ـ سواء كانت مخالفة نصّيّة أو ظهوريّة ـ يجب طرحه ولا يجوز العمل به، بل هو ممّا لم يقولوه؛ لأنّهم تلامذة القرآن وأبناؤه، فلا يأمرون بشيء يخالف القرآن.
ولا يتوهّم اختصاص مفاد هذه الأخبار بالمخالفة النصّيّة، فإنّه:
أوّلاً: يصدق وجداناً عنوان المخالفة بالنسبة للظاهر كما يصدق بالنسبة للنصّ، فالأمر والنهي متخالفان، وإن أمكن تأويل أحدهما ببيان الرخصة في الفعل، والآخر ببيان الرخصة في الترك.
وثانياً: إنّ الذي يتتبّع هذه الأخبار يرى أنّ المقصود منها النظر إلى ما شاع وذاع وقتئذ من الكذب والافتراء والتزوير على الأئمّة(عليهم السلام) من قِبَل الكذّابين، وهؤلاء الكذّابون كانوا يكذبون عادة بما يخالف ظاهر القرآن لا بما يخالف نصّ القرآن؛ إذ لا يصدّق منه ما يخالف النصّ القطعيّ للقرآن الذي لا شائبة فيه.