المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

230

والتحقيق: أنّ هذا الرجل وإن أصاب في المدّعى ولكنّه أخطأ في الدليل، فإنّ ورود التأويل في آيات اُخرى بهذا المعنى يكون منشأً لإمكان إرادة المعنى بهذا اللفظ لا تعيّن إرادته به، فيحتمل ذلك، ويحتمل وروده بالمعنى المصطلح الذي استعملت فيه كلمة (التأويل) في عدّة من النصوص والأخبار المقاربة لعهد القرآن الكريم، فغاية ما ينتج من هذا الاستقراء هي صيرورة التأويل في هذه الآية مجملاً لنا بغضّ النظر عن قرينة متّصلة، أو منفصلة تعيّن لنا المراد منها.

أمّا ما نثبت به نحن نفس المدّعى فهو وجود قرينة في نفس الآية المباركة على المعنى الذي ذكره، وهي فرض الاتّباع في قوله: ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، فإنّ فرض اتّباع كلام هو فرض الأخذ بمدلوله المتعيّن، فإنّ الاتّباع بقول مطلق في نظر العرف يعني الأخذ بالمعنى المفهوم من الكلام لا الأخذ بأحد معنيين متساويين للكلام بلاقرينة. فمثلاً ماذا يفهم من الأوامر التي وردت في التمسّك بالكتاب والسنّة واتّباعها؟ هل يتوهّم أحد شمولها لحمل اللفظ على أحد معانيها المشتركة؟! إذن فمعنى اتّباع المتشابه هو اتّباع ما يظهر من المتشابه، واتّباع الظهور ليس تأويلاً بالمعنى المصطلح، فيتعيّن أن يكون المراد بالتأويل هنا الأوْل والرجوع.

يبقى الكلام في أنّ هذا الأوْل والرجوع ماذا يراد منه؟ والتحقيق: أنّ الآية الكريمة قسّمت الآيات إلى محكمات ومتشابهات، وليس المقصود بالمتشابه كون اللفظ متشابه المعنى بأن تكون للّفظ معان متعدّدة متشابهة في علاقتها باللفظ، أو في مقدار علاقتها به، بل المقصود به كون المعنى متشابهاً، أي: مجمل الحقيقة غير معلوم الحدود بحسب عالم التطبيق، وتصوّر ذاك المعنى بتصوّر مصداقه. فمثلاً: (استواء الرحمن على العرش) ليس لفظاً متشابه المعنى، لكن معناه بحسب التقريب إلى الذهن لا يخلو من غموض وإبهام، ولا يمكن تصوّر المصداق المناسب منه له تعالى، وما يؤوْل إليه المعنى من حقيقة الواقع والمصداق المتحقّق