المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

227

وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّاَ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلّاَ أُوْلُوا الألْبَاب﴾(1).

وهذه الآية ـ كما ترى ـ لا تدلّ على أكثر من عدم جواز الاقتصار على العمل بالمتشابهات ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وقطع صلتها بالمحكمات رغم أنّها اُمّ الكتاب، كما كان ذلك عمل المشاغبين في صدر الإسلام، ولازال عملهم إلى يومنا هذا. وليس الشيء المذموم في هذه الآية هو اتّباع المتشابهات في ضوء المحكمات، والاعتراف بأنّها اُمّ الكتاب، ومن دون قطع الصلة بين المتشابهات والمحكمات. وبتعبير آخر: إنّ الآية الشريفة لم تنه عن اتّباع المتشابهات بلسان (لا تتّبع المتشابهات) مثلاً، وإنّما جاءت بلسان التخصيص بعد القسمة كأن يقول أحد: (إنّ كتابي هذا ينقسم إلى قسمين منطق وحكمة، فالجالسون في الغرفة الفلانيّة درسوا المنطق). وهذا ظاهر في أنّ الجالسين في تلك الغرفة درسوا المنطق فقط؛ لأنّ التخصيص بعد القسمة يعطي عرفاً معنى أنّ مَن خصّص به أحد القسمين مقتصر على ذاك القسم. والآية المباركة من هذا القبيل، حيث قسّم الكتاب إلى قسمين: آيات محكمات واُخر متشابهات، ثُمّ ذكر أنّ الذين في قلوبهم زيغ يتّبعون أحد القسمين وهو المتشابهات، وهذا يعني أنّهم يقتصرون على العمل بالمتشابهات. ومن الواضح عدم جواز العمل بالمتشابهات حتّى مع فرض شمولها للظواهر لا على ضوء المحكمات والنصوص، فالعمل بالظواهر يجب أن يكون بعد مدارسة النصوص والمحكمات التي يحتمل قرينيّتها لفهم المقصود من تلك الظواهر، أو أنّ أصل التبعيض في الدين والعمل بقسم دون قسم أيضاً غير جائز.

فذمّ مثل هذه الطريقة التبعيضيّة لا يدلّ بوجه من الوجوه على ذمّ اتّباع المتشابه


(1) سورة 3 آل عمران، الآية: 7.