أمّا بناءً على مبنى المنطق الارسطيّ، وهو الاعتراف بالمعاني الكلّيّة، وأنّها وإن كانت متّحدة خارجاً مع الأفراد لكنّها متغايرة معها مفهوماً وتصوّراً، وحاصلة بإجراء عمليّة التجريد بوجه من الوجوه على الأفراد وأخذ الجامع بينها ـ وهذا هو المبنى الصحيح ـ فعليه لا مانع منطقيّاً من شمول اللفظ لنفسه، فقولنا مثلاً: (الكلمة لفظ) يشمل لفظ الكلمة بلا لزوم اتّحاد الدالّ والمدلول، فإنّ المدلول في الحقيقة هو المعنى الكلّيّ المتغاير مع الأفراد المنطبق على تمام الأفراد بوجه من الانطباق، ومن تلك الأفراد المنطبق عليها ذاك المعنى الكلّيّ هو نفس لفظ الكلمة. وكذلك قولنا: (كلّ كلمة اسم وفعل وحرف)، فلفظ (كلمة) ليس ابتداءً مرآة إلى ذات الأفراد، بل مرآة إلى معنى تجريديّ منطبق على الأفراد بوجه من الوجوه.
وعلى هذا يستأنف البحث في مسألة شمول الآية الشريفة وكلام ذاك الأقريطشي لنفسها وعدمه. والأصحاب أحالوا كلا الأمرين أعني: حجّيّة الآية بلحاظ نفسها، وشمول كلام الأقريطشي لنفسه بنكتة واحدة، وهي: استلزام وجود الشيء لعدمه، فالآية لو شملت نفسها لزم من حجّيّتها عدم حجّيّتها، وكلام الأقريطشي لو شمل نفسه لزم من صدقه عدم صدقه.
ولكن التحقيق: أنّه لو تمّت دعوى الاستحالة في الموردين فهي بملاكين لا بملاك واحد، ففي كلام الأقريطشي تكون الاستحالة بملاك استلزام وجود الشيء لعدمه، وفي الآية الشريفة ليس هذا هو ملاك الاستحالة، فإنّها لو ردعت عن نفسها لم يلزم من حجّيّتها الواقعيّة عدم حجّيّتها الواقعيّة، وإنّما يلزم من حجّيّتها التعبّد بعدم حجّيّتها؛ إذ لو دلّت أمارة شرعيّة على عدم حجّيّة شيء مّا ـ كالشهرة مثلاً ـ لم يثبت بذلك عدم حجّيّة ذاك الشيء واقعاً، وإنّما يثبت بذلك عدم حجّيّته ظاهراً. فالذي يلزم من حجّيّة هذه الآية هو التعبّد بعدم حجّيّة نفسها لا عدمها واقعاً، وهذا ليس محالاً بنكتة استلزام وجود الشيء لعدمه. نعم، هو محال بملاك اللغويّة، فإنّ