المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

221

أقريطش كذب) ـ وأقريطش بلد من بلاد يونان ـ فيعتبر هذا الكلام مستلزماً لاجتماع النقيضين؛ إذ يلزم من صدقه كذبه، ومن كذبه على تقدير كذب باقي أخبار الأقريطشيّين صدقه. فالأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ نسجوا الكلام على هذه الآية نسجاً منطقيّاً، بينما لو أخذنا بمفهومها العرفيّ لا تصل النوبة إلى هذا السنخ من البحث، ويجب تبديل منهج البحث، وبما أنّهم نهجوا هذا المنهج فنحن أوّلاً نقتفي أثرهم لنبيّن ما الذي ينبغي أن يقال لو انتهجنا هذا المنهج، ثُمّ نشرح بعد ذلك المنهج الصحيح للبحث.

أمّا ما نذكره بناءً على انتهاج منهج الأصحاب في المقام فهو ما يلي:

قد وقع الخلاف بين أصحاب المنطق الارسطيّ والمنطق الرمزيّ في الإيمان بالمعاني الكلّيّة من قبيل الإنسان والحيوان وغير ذلك، وإنكارها. فمنطق اُرسطو يؤمن بالمعاني الكلّيّة إلى صفّ الاُمور الجزئيّة، بينما المنطق الرمزيّ يقول: إنّ الألفاظ المفروض دلالتها على معان كلّيّة ليست إلّا رموزاً للأفراد كنفس الأعلام الشخصيّة، فكلمة (الإنسان) مثلاً لا تدلّ على معنى كلّيّ جامع بين أفراده وإنّما هي رمز لزيد وعمرو وبكر... وبناء على هذا المبنى لا يمكن للّفظ أن يشمل نفسه لاستحالة اتّحاد الدالّ والمدلول، أو الرمز وذي الرمز، وعلى هذا لا مجال لتصوّر اجتماع المتناقضين في مثل كلام الأقريطشي؛ لأنّ هذا الكلام لايشمل نفسه. وكذلك الآية الشريفة لا تشمل نفسها، ولا تردع بالمباشرة إلّا عن ظواهر باقي الآيات، فإن قلنا بما ادّعي: من العلم بتماثل تمام ظهورات الكتاب في الحجّيّة وعدمها، لزم ردعها بالملازمة عن نفسها، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ بيان استحالة ردعها عن نفسها، فيبطل القول بردعها عن باقي ظهورات الكتاب. أمّا إذا أنكرنا هذا العلم ـ وهو الصحيح ـ فهي حجّة في إثبات عدم حجّيّة باقي ظواهر الكتاب.