المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

21

وإن شئت فقل: إنّ غاية ما يتصوّر في العبد من دافع الامتثال وحالة الطواعية والخضوع للأوامر أن يكون العبد بمنزلة جوارح المولى، وكما أنّ جوارح المولى لا تتحرّك نحو المتعلّق إذا لم يكن غرض فيه كذلك حال العبد المطيع.

ولو أمكن الجمع بين الحكم الظاهريّ والواقعيّ بهذا الوجه لأمكن الجمع بين حكمين واقعيّين به أيضاً حينما لا يتنجّز كلاهما كي ينتهي الأمر إلى التضادّ من حيث التنجّز، فلو ورد (أكرم العلماء) وورد (لاتكرم الفسّاق) ففي مادّة الاجتماع إن لم يتنجّز كلاهما بحصول القطع بعلم زيد وبفسقه مثلاً، أمكن الجمع بينهما بافتراض أنّ الملاك في أحدهما في المتعلّق وفي الآخر في نفس الحكم.

هذا. ونحن لا ننكر أنّه كثيراً مّا يكون ملاك الحكم في نفس الحكم دون متعلّقه، لكن لا بمعنى أن لا يكون هناك غرض للمولى وراء الحكم، بل بمعنى أنّ الإتيان بالمتعلّق بعنوانه الأوّليّ ليس مطلوباً، وإنّما المطلوب هو امتثال حكم المولى، فيحكم المولى بالمتعلّق كي يمتثله العبد، فتتحقّق هذه المصلحة خارجاً. ولعلّ هذه المصلحة هي الملحوظة في جلّ العبادات أو كلّها.

الوجه الثالث: ما أفاده المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) في المقام بغضّ النظر عن الجواب الأوّل، ونحن نذكر هنا ما يستنبط عادة من عبارته مع تحقيق الحال في ذلك، تاركين الكلام عن محتملات مقصوده وتحقيق بعض عبائره وخصوصيّات كلامه.

فنقول: إنّ ما يفسّر به عادة كلامه هو أنّ للحكم مرتبة الإنشاء، وهي عبارة عن الحكم الذي يكون مشتركاً بين العالم والجاهل، ومرتبة الفعليّة، وهي التي تكمن فيها مبادئ الحكم، فالمنافاة إنّما تقع بين الحكمين لو فرضا معاً فعليّين، بينما الحكم الفعليّ بشأن المكلّف في موارد وجود الحكم الظاهريّ إنّما هو الحكم الظاهريّ، وأمّا الحكم الواقعيّ فهو إنشائيّ، فلا منافاة بينهما.

وليس الحكم الواقعيّ إنشائيّاً صرفاً كي يقال: إنّ لازم ذلك إذن هو عدم تنجّز