المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

187

أداة لإفادة المقصود وتعبير عن الأفكار والحاجيّات، فهي مقصودة بالغير وليست مقصودة بالذات، فإذا كان ما نقصد به متطوّراً فمن الطبيعيّ أن تتطوّر اللغة تبعاً لتطوّره، فاللغة تتأثّر بمختلف العوامل المؤثّرة في الأفكار والحاجات والتعايش والمجتمعات ونحو ذلك، فترى التطوّر والتغيّر في اللغة بحسب اختلاف الأمكنة والطبقات والزمان، تارةً في وضع كلمة جديدة أو نشوء سياق جديد، واُخرى في معنى الكلمة السابقة أو السياق القديم، ونظرنا فعلاً إلى القسم الثاني، أي: التطوّر في معنى الكلمة أو السياق، كما نرى مثلاً: من أنّ كلمة الاشتراكيّة تعطي في زماننا معنى لم تكن تعطيه فيما سبق. وهذا النمط من التغيّر في الكلمة أكثر بكثير من التغيّر فيها بمعنى وضع كلمة جديدة، أي: عادة حينما تتغيّر الأحوال يتصرّف الناس في نفس الكلمات المأنوسة لديهم سابقاً من دون الاستفادة من الكلمات التي كانت مهملة لديهم ككلمة (ديز)، والتطوّر كما يقع في الكلمات يقع في الدلالات السياقيّة للجمل التركيبيّة، فإنّ تأثير العوامل المختلفة ليس مختصّاً بالظهور الوضعيّ بل يقع في الظهور السياقي أيضاً، فيؤثّر في اختلاف الأفكار والحاجات والبيئات بمرور الزمان، وقد يتّفق اختلاف الظهور السياقي في زمان واحد لطبقتين باعتبار اختلاف المطالب التي أنست بها هذه الطبقة أو تلك مثلاً. ولأجل توضيح الفكرة أذكر حكاية وقعت لي وهي: أنّي راجعت حديثاً في باب الحجّ يسأل فيه الراوي الإمام(عليه السلام) عن رجل عليه دين هل عليه أن يحجّ؟ قال: نعم. فقد فهمت أوّل الأمر من هذا الحديث أنّه مهما وقع التزاحم بين الحجّ والدين المنجّز كلّ واحد منهما بالفعل بغضّ النظر عن الآخر كان الحجّ أهمّ ومقدّماً على الدين. ثُمّ احتملت أنّ هذا الفهم ناشئ من اُنس ذهنيّ بمطالب باب التزاحم، وأنّ هذا الكلام ظاهره أنّ الدين ليس من المستثنيات في باب الحجّ، فلو كان ما لديه من المال بمقدار لو خرج منه الدين لسقط عن الاستطاعة لم يكن هذا موجباً لعدم