المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

185

فلابدّ لمدّعي الحجّيّة إثبات أنّنا مقصودون بالإفهام.

وهنا يذكر أنّ كوننا مقصودين بالإفهام من الواضحات؛ إذ من المعلوم أنّ الأدلّة إنّما هي بصدد بيان أحكام مشتركة بيننا وبين زرارة مثلاً، لا بصدد بيان أحكام خاصّة به، فلمّـا كان الحكم عامّاً وجب كون القصد عامّاً.

ولكن لا يخفى أنّ مجرّد كون الحكم عامّاً لا يعني كوننا مقصودين بالإفهام، فمن الممكن أن يكون الحكم مشتركاً بيننا وبين مثل زرارة مع اختصاص المقصود بالإفهام بمثل زرارة، فإنّ وجه تخصيصه بالإفهام هو أنّ الإمام(عليه السلام) كان يتكلّم بطريقة يختصّ فهمها بالمخاطبين لأجل قرائن كانت موجودة بينه وبينهم، وليس معنى ذلك أنّه(عليه السلام) كان يتكلّم بحكم مختصّ بهم.

يبقى أنّه إذا كان غير المخاطبين غير مقصودين بالإفهام مع أنّ الحكم يشملهم فماذا يصنعون في مقام استنباط الحكم؟ والجواب: أنّهم يستنبطونه بحسب القواعد الموضوعة لهم، فمثلاً صاحب القوانين يرى أنّ ما هو الحجّة بشأنهم هو الظنّ المطلق؛ لأجل عدم حجّيّة الظهور لهم، وانسداد باب العلم والحجّة عليهم. بخلاف المخاطبين الذين كانوا مقصودين بالإفهام، وكان الظهور حجّة لهم. فهنا طريقان للاستنباط: أحدهما: التمسّك بالظهور، وهو ثابت للمخاطبين. والآخر: التمسّك بالظنّ المطلق، وهو ثابت لغيرهم. وهنا شيء واحد بالإمكان أن يقال في المقام، وهو: أنّ هذا المطلب غير محتمل في نفسه، أي: أنّنا لا نحتمل أنّ الشارع فرض طريقين للاستنباط أحدهما يختصّ بالمخاطبين والثاني بغيرهم؛ إذ لو كان كذلك لما اتّفقت سيرة المتشرّعة في تمام الأعصر على العمل بالظهور دون رادع ولا زاجر. إلّا أنّ هذا رجوع إلى ما مضى منّا: من إثبات حجّيّة الظهور لغير المخاطبين أو غير المقصودين بالإفهام بالتمسّك بسيرة المتشرّعة، وليس إثباتاً لكوننا مقصودين بالإفهام.