المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

172

والواقع: أنّ البحث لم يكن في افتراض أنّ العقلاء جلسوا على كرسيّ الجعل والتفتوا بالتفصيل إلى كيفيّة الجعل الموصلة للمطلوب من جعل واحد أو جعلين، وإنّما مقصودنا من جعل العقلاء أنّهم يعتبرون ولو بالارتكاز النكتة الكاشفة في باب الظهور قابلة للاعتماد عليها لأجل كشفها، فإذا تعدّدت النكتة الكاشفة، وكانت إحداهما منقّحة لموضوع الاُخرى، قلنا لا محالة: إنّ هنا جعلين باعتبار وجود نكتتين اعتنوا بكلتيهما، وأحد الجعلين ينقّح موضوع الآخر. وما نحن فيه من هذا القبيل. ولا فرق فيما ذكرناه بين فرض دعوى الجعل حقيقة: من تنزيل، أو جعل للحكم المماثل، أو لنفس الحجّيّة ونحو ذلك، وفرض اعتبار الكاشف بمثل الإخبار عن شدّة اهتمام المولى بغرضه المكشوف بتلك النكتة الخاصّة.

وبعد أن تلخّص أنّ موضوع الحجّيّة مركّب من الظهور التصديقيّ وعدم العلم بالقرينة المنفصلة بقي الكلام في أنّ أيّاً من درجتي الظهور التصديقيّ هي الموضوع للحجّيّة، هل الظهور التصديقيّ للاستعمال، أو الجدّيّ؟ يظهر من بعض كلمات المحقّق النائينيّ(رحمه الله) كما عرفت: أنّ للظهور التصديقيّ درجتين: الظهور فيما قال، والظهور فيما أراد. وجعل عدم القرينة المتّصلة مرحلة الظهور الأوّل، وعدم القرينة المنفصلة مرحلة الظهور الثاني، وجعل موضوع الحجّيّة هو المرتبة الأخيرة من الظهور(1).

وقد عرفت أنّ عدم القرينة المنفصلة ليس مرحلة للظهور، وأنّ هنا درجتين للظهور التصديقيّ بالتفصيل الذي مضى منّا، وكلاهما في مرحلة عدم القرينة المتّصلة.

والتحقيق: أنّ كلتا الدرجتين موضوع للحجّيّة، فإنّه لابدّ أن تجري أوّلاً أصالة المطابقة بين المدلول التصوّريّ والمدلول الاستعماليّ، وينقّح بذلك موضوع أصل ثان وهو أصالة المطابقة بين المدلول الاستعماليّ والمدلول الجدّيّ، فيثبت بذلك المراد الجدّيّ للمولى.


(1) مضى منّا ما نحتمله فيما هو مراد المحقّق النائينيّ(رحمه الله) قبل صفحات.