المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

170

موضوع الحجّيّة عبارة عن الظهور التصديقيّ زائداً عدم القرينة المنفصلة على الخلاف ـ باطل. وبعد إبطال هذا الوجه بقي الأمر دائراً بين الوجه الأوّل وهو كون الموضوع الدلالة التصوّريّة زائداً عدم العلم بالقرينة، والوجه الثاني وهو كون الموضوع الدلالة التصديقيّة زائداً عدم العلم بالقرينة المنفصلة.

وبالإمكان أن يتوهّم أنّ ما أبطلنا به الوجه الثالث يكفي لإبطال الوجه الثاني أيضاً، ففي القرينة المتّصلة يقال أيضاً: إنّ أصالة عدم القرينة لا كاشفيّة لها عن شيء، فيجب الرجوع رأساً إلى الظهور التصوّريّ عند عدم العلم بالقرينة على الخلاف؛ إذ الرجوع إلى أصالة عدم القرينة رجوع إلى أصل تعبّديّ بحت، وليس هذا من ديدن العقلاء في اُصولهم العقلائيّة.

ولكن الواقع على عكس هذا تماماً فالنكتة التي أبطلنا بها الوجه الثالث تبطل الوجه الأوّل أيضاً، وتعيّن الوجه الثاني؛ وذلك لأنّ التمسّك بالظهور التصوّريّ يعني التمسّك بأصل تعبّديّ بحت؛ لما مضى: من أنّ الظهور التصوّريّ ليس بابه باب الكشف، وإنّما بابه باب العلّيّة والإيجاد. والكشف إنّما يتمّ ببركة نكتة الظهور التصديقيّ، ولولا الظهور التصديقيّ لما كان أيّ كشف للكلام كي يعقل الاعتماد عليه عقلائيّاً، فالاعتماد العقلائيّ إنّما هو على الظهور التصديقيّ، والذي هو متقوّم بعدم القرينة على الخلاف، فلابدّ من إحراز عدم القرينة كي يمكن التمسّك بالظهور التصديقيّ، والذي يحرز لنا عدم القرينة هو أصالة عدم القرينة المتّصلة، وليست هذه أصلاً تعبّديّاً بحتاً بل هي قائمة على استبعاد غفلة السامع عن القرينة؛ لأنّ الغفلة خلاف الطبع العقلائيّ، وأسبابها في قبال أسباب الالتفات وعدم الغفلة نادرة جدّاً، فأصالة عدم القرينة المتّصلة ليست أصلاً تعبّديّاً، ولو لم تجر لم تصل النوبة إلى أصالة الظهور؛ إذ لو اُريد بالظهور الدلالة التصوّريّة فقد عرفت أنّ بابها ليس باب الكشف، ولو اُريد به الدلالة التصديقيّة فقد عرفت أنّ قوامها بعدم القرينة