المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

155


وأمّا عدم ابتعاد الشارع كثيراً عن طريقة العقلاء فصحيح على ما نراه من عدم قبول التخصيص والتقييد إلّا في ثوب معقول عقلائيّاً وعرفاً. فمثلاً حينما نقيّد ما ورد: من قبول شهادة مَن لم يعرف فسقه، بما دلّ على اشتراط حسن الظاهر، نقيّده بثوب أنّ المقصود ممّن لا يعرف فسقه مَن لم يعرف فسقه بين المرتبطين به: من إخوانه وجيرانه، لا مَن لم يعرف فسقه لدى الحاكم.

ولعلّ قولهم أحياناً: إنّ العامّ الفلانيّ آب عن التخصيص إشارة إلى فقدان ثوب للتخصيص يقبله العرف، وإن كان من المحتمل كونه إشارة إلى وجود مزيّة خاصّة: من قوّة دلاليّة، أو مناسبة عرفيّة، أو ما شابه ذلك ممّا يجعله آبياً عن التخصيص.

وهناك مورد آخر منقول عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في دورته الأخيرة لفرض الافتراق بين التمسّك بسيرة العقلاء والتمسّك بسيرة المتشرّعة، وهو الظهورات التي تستنبط من قِبَل الفقيه الألمعيّ، والتي لا يلتفت إليها الإنسان الاعتياديّ عادة، والتي تتوقّف على مناسبات الحكم والموضوع، أو نكات اُخرى دقيقة. والظهورات التي تتمّ بدعوى إلغاء خصوصيّة مورد النصّ وتعدّي العرف إلى غير المورد. فظهورات من هذا القبيل تشبه الرأي والقياس، فيتأتّى احتمال مردوعيّتها بأدلّة الردع عن الرأي والقياس. صحيح أنّ أدلّة الردع عن الرأي والقياس لا يتمّ لها إطلاق لمثل هذه الموارد لأنّ هذه الموارد هي على أيّ حال داخلة في باب الظهور اللفظيّ لا في باب التمسّك بذات الرأي والقياس. لكن احتمال شمول النهي عن الرأي والقياس لأمثال هذه الظواهر كاف لعدم إمكانيّة التمسّك بسيرة العقلاء لإثبات حجّيّتها؛ لأنّ التمسّك بها فرع القطع بعدم الردع الملازم للإمضاء، وقد جاء احتمال الردع. ففي مثل هذه الموارد لابدّ من اللجوء إلى سيرة المتشرّعة التي ليس التمسّك بها بحاجة إلى الإمضاء.