المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

145

 

المقارنة بين السيرتين:

ثُمّ إنّ سيرة العقلاء وسيرة المتشرّعة كما تفترقان ملاكاً من حيث إنّ الثانية تكون معلولة للحكم الشرعيّ، والاُولى تكشف عن الحكم الشرعيّ بقرينة عدم الردع، كذلك تفترقان في النتيجة. ولنذكر لكلّ من مادّتي الافتراق مثالاً، فنقول:

أمّا تماميّة سيرة المتشرّعة دون سيرة العقلاء فكما لو فرض قيام حجّة عقلائيّة في قبال الظهور قد ردع الشارع عنها، كما لو كان القياس حجّة عند العقلاء بمستوى يوجب تقييد الإطلاق، ففي هذا الفرض سوف لن تكون سيرة عقلائيّة بالفعل على العمل في مجالات الشريعة بالإطلاق الذي يخالفه القياس ما لم يرد من الشارع إضافة إلى نفي حجّيّة القياس نفي مانعيّته عن حجّة اُخرى في قباله، بينما لا إشكال في ثبوت سيرة المتشرّعة على العمل بالإطلاق الذي كان في مقابله القياس؛ إذ لو كان غير هذا لذاع واشتهر.

وهذا الفرق في النتيجة بين سيرة العقلاء وسيرة المتشرّعة مبتن على الاقتصار على مجالات السيرة العقلائيّة العمليّة.

أمّا لو قلنا: إنّ عدم ردع الشارع يدلّ على إمضاء النكتة المرتكزة في أذهان العقلاء فبالإمكان إثبات حجّيّة الظهور بنفس السيرة العقلائيّة؛ وذلك لأنّ بناء العقلاء وارتكازهم ثابت على نكتة لتلك السيرة، وهي الحجّيّة الاقتضائيّة للظهور بحيث لولا وجود حجّة اُخرى في مقابله كان ينبغي أن يكون الظهور حجّة.

نعم، إيمانهم بهذه النكتة لا يجرّهم كعقلاء عملاً في مجالات الشريعة إلى العمل بالظهور الإطلاقيّ الذي خالفه القياس. ونكتة ذلك أنّهم من ناحية يحتملون كون القياس مانعاً شرعيّاً عن حجّيّة الظهور، كما قيل في الظنّ المخالف للظهور: إنّه يسقطه عن الحجّيّة رغم عدم حجّيّة نفس الظنّ.