المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

117

الحكم فاتّفاقهم ليس عبارة عمّا هو محلّ الكلام من سيرة المتشرّعة، وإنّما هو عبارة عن الإجماع الذي سيأتي البحث عنه ـ إن شاء الله ـ في غير هذا المقام.

والشرط الذي ذكرناه لتحقيق سيرة المتشرّعة: من كونهم يأخذون عادة الحكم من الإمام عن طريق الحسّ أو ما يقرب من الحسّ، كان متوفّراً في كثير من أصحاب الأئمّة(عليهم السلام) المعاشرين لهم ولأصحابهم، والمتكلّمين معهم ومع أصحابهم في مختلف المسائل.

فإذا تحقّقت السيرة من قبل أمثال هؤلاء الذين يكون خطأُهم خطأً عن حسّ أو ما يقرب من الحسّ فلا إشكال في أنّ سيرتهم تكشف عن الحكم الشرعيّ؛ لأنّ اتّفاق هؤلاء الجماعة على الغفلة بعيد بحساب الاحتمالات الناتج من ضرب قيمة احتمال ثبوت عامل الغفلة في أيّ واحد منهم في قيمة احتمال ثبوته في الآخر، ومن الواضح أنّ الاحتمال يضعف بالتدريج بالضرب إلى أن يصبح موهوماً، وقد حقّقنا في بحث المنطق الذاتيّ أنّ الاحتمال الموهوم يزول من النفس تلقائيّاً وفق شروط معيّنة، فيحصل القطع بعدم اجتماعهم على الغفلة بعد أن كان احتمال اجتماعهم على الغفلة أوهن من أيّ احتمال آخر في المقام؛ لأنّ الغفلات المتعدّدة بحاجة إلى علل وعوامل متعدّدة، بينما الانتباه المتعدّد تكفيه علّة واحدة عامّة تقتضي التفات الجميع، فلا يجري فيه الحساب الذي أجريناه في جانب الغفلة. ولو فرضنا عدم زوال هذا الاحتمال الموهوم فلا شكّ في حصول الاطمئنان بخلافه، والاطمئنان حجّة(1).

لايقال: إنّ الاطمئنان ليس حجّة بدليل لفظيّ، وإنّما هو حجّة بالسيرة العقلائيّة.


(1) صحيح أنّه لو كان فرضنا لعدم زوال الاحتمال الموهوم من باب إنكار كونه أهون من الاحتمالات الاُخرى التي تكون في قباله، فكلّ واحد من هذه الاحتمالات يطمأنّ بخلافه، لكن لا حجّيّة لسائر الاطمئنانات؛ لعدم ترتّب أثر شرعيّ عليها كي يقع التعارض بينها.