المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

111

فيعلم أنّ الأوّل علّة للثاني(1)، فنستكشف من ذلك ثبوت هذه السيرة في زمن الشارع. نعم، هذا الاستكشاف مشروط بدفع احتمال وجود مانع في زمان الشارع عن تأثير المقتضي في تحقّق هذه السيرة؛ وذلك لأنّ تجربة المقارنة بين (أ) و (ب) إنّما تثبت أنّ (أ) مقتض لــ (ب) ولا تثبت عدم وجود مانع صدفة يمنع عن تأثير فرد خاصّ من (أ). ويمكن إحراز عدم مانعيّة سائر المقارنات في زمان الشارع فيما نحن فيه باعتبار أنّ المانعيّة في باب السير العقلائيّة مانعيّة مفهومة، فلا تحتمل مانعيّة أيّ شيء عنها، وليست كالمانعيّة في الاُمور التكوينيّة من قبيل مانعيّة الرطوبة عن إحراق النار ـ مثلاً ـ التي لا يمكن إثباتها أو نفيها إلّا بالتجربة، فإنّ المانعيّة في باب السير العقلائيّة مرتبطة بوعي البشر واختياره(2)، فقد تنفى بحكم العقل بلاحاجة إلى التجربة. وبهذا الطريق ننفي مانعيّة المقارنات في زمان الشارع عن تحقّق السيرة على حجّيّة الظهور.


(1) أو هما معلولان لشيء ثالث.

(2) لا يخفى أنّه كما أنّ المانعيّة في باب السير العقلائيّة مانعيّة مفهومة، فكثيراً مّا يمكن القطع بانتفائها في زمان الشارع رغم أنّنا لم نعش ذاك الزمان، كذلك أصل الاقتضاء والعلّيّة في السير العقلائيّة أمر مفهوم، فكثيراً مّا يمكن القطع بثبوت السيرة الموجودة في زماننا في زمان المعصوم أيضاً بلاحاجة إلى هذه البيانات، وهذا ما أشرنا إليه في تعليقتين سابقتين.

وبالنسبة لحجّيّة الظهور ليست العلّة في قيام السيرة عليها مجرّد كون اللغة هي أساس التفهيم والتفهّم، بل العلّة هي كون حجّيّة الظهور بلحاظ ما فيه من الكشف النوعيّ تطابق عادة نتيجة التزاحمات بين الأغراض العقلائيّة عند الشكّ. ولا نشكّ أنّ نفس هذه الحالة كانت موجودة في زمن المعصوم؛ لأنّها نابعة عن الأغراض العقلائيّة المتعلّقة لنا التي لا تختلف حساباتها بالفوارق الحاصلة باختلاف الزمان والمكان، تلك الفوارق التي هي أيضاً مفهومة لنا.