المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

110

نعم، لو علمنا قبل الاستدلال بالسيرة بوجود أمر مشترك نفسانيّ أو موضوعيّ خارجيّ، ورأينا بالاستقراء أنّ هذا الأمر المشترك لا ينفكّ عن تلك السيرة علمنا بحكم التجربة كون ذلك الشيء علّة لتلك السيرة؛ لأنّها توجد متى وجد، وتنعدم ـ مثلاً ـ متى انعدم. فإذا كنّا نعلم بوجود ذلك الشيء في زمان الشارع علمنا بوجود تلك السيرة في ذلك الزمان بشرط أن نرى أنّ سائر المقارنات لتلك السيرة لا يحتمل علّيّتها لها، فإذا وجد في كلّ مجتمع من تلك المجتمعات المشتملة على تلك السيرة مقارن آخر يحتمل علّيّته لها لم يثبت المطلوب.

فمثلاً نفترض أ نّا رأينا بحسب التجربة التلازم بين درجة خاصّة للقدرة والتسلّط للحكومة، وقيام السيرة على ملكيّة الفرد ورفض الاشتراكيّة مع عدم مقارن آخر يحتمل علّيّته لهذه السيرة، فإذا رأينا أنّ تلك الدرجة كانت ثابتة في زمان المعصوم ثبتت هذه السيرة لأهل ذاك الزمان.

ويمكننا أن ندرج في هذا الباب حجّيّة الظهور بدعوى أ نّا رأينا الملازمة بين كون ميزان التفهيم والتفهّم هو اللغة، وقيام السيرة على حجّيّة الظهور(1).

 


أقول: بما أنّ السير العقلائيّة ليست غالباً غامضة السبب كلّ الغموض، قد يمكن للإنسان الحاسّ بالسيرة العقلائيّة في زمانه أن يدرك علّتها، لا مجرّد أن ينفي ارتباطها بالخصوصيّات المتغيّرة من حال إلى حال، كي يخرج عن كونه طريقاً استدلاليّاً موضوعيّاً. فإذا كانت تلك العلّة ثابتة في مجتمع زمان المعصوم ثبت المقصود بلا دخل لمسألة استقراء عدّة مجتمعات. وهذا ما شرحناه في تعليقتنا على بحث الطريق الأوّل فراجع.

(1) لا يخفى أنّنا لم نرَ مجتمعاً ليس ميزان التفاهم عندهم هو اللغة، كي نرى أنّه هل تنتفي عندهم السيرة على العمل بالظهور أو لا. فالمقارنة التي نراها بين كون الميزان في التفاهم هو اللغة والسيرة على حجّيّة الظهور تكون من قبيل ما لو رأينا النار في كلّ مكان والاحتراق في كلّ مكان، ومن الواضح أنّه عندئذ لا نستطيع أن نفهم علّيّة النار للاحتراق أو تلازمهما.