المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

109

إلّا أنّنا نقول إجمالاً: إنّه إن كان المقصود بذلك إثبات وجود قريحة مشتركة بين المجتمعات هي السبب لتحقّق هذه السيرة، ولم نعرف هذا الشيء المشترك سابقاً، وإنّما أردنا اكتشافه من نفس السيرة، فهذا غير صحيح؛ لأنّ قانون التجربة إنّما ينطبق فيما لو علم بوجود شيء مشترك في تمام موارد التجربة، فتستكشف من ذلك علّيّة ذاك الشيء المشترك مثلاً. وأمّا إذا لم يعلم بذلك واحتملناه فهذه التجربة لا توجب القطع بعلّيّة ذلك الأمر المحتمل. مثلاً لو رأينا آلاف الأشخاص أكلوا قرصاً معيّناً فماتوا علمنا أنّ ذاك القرص سمّ قاتل، أمّا لو رأينا آلاف الأشخاص ماتوا، واحتملنا أنّهم أكلوا ذاك القرص فهذا لا يكون كاشفاً عن كون ذاك القرص سمّاً قاتلاً. وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّنا إذا لم نعرف عنصراً مشتركاً فيما بين المجتمعات يحتمل كونه هو سبب السيرة، فليس من الصحيح أن نكتشف بواسطة وجود السيرة في جملة من المجتمعات علّيّة عنصر يفترض اشتراكه فيما بينها(1).

 


(1) على أنّه لو صحّ ذلك لم يكن لنا طريق إلى معرفة أنّ ذاك العنصر المشترك كان موجوداً في مجتمع المعصوم أيضاً. هذا.

وكأنّه علاجاً لهذا النقص فرض اُستاذنا(رحمه الله) في الحلقة الثانية من (دروس في علم الاُصول) أن تكون للإنسان ملاحظة تحليليّة وجدانيّة بحيث يرى في وجدانه ومرتكزاته العقلائيّة أنّه منساق إلى اتّخاذ موقف معيّن، ويلاحظ بتحليله الوجدانيّ عدم ارتباط ذلك بالخصوصيّات المتغيّرة من حال إلى حال ومن عاقل إلى عاقل، وقد يدعم ذلك باستقراء حالة العقلاء في مجتمعات عقلائيّة مختلفة للتأكّد من هذه الحالة العامّة.

قال(رحمه الله): «وهذا طريق قد يحصل للإنسان الوثوق بسببه، ولكنّه ليس طريقاً استدلاليّاً موضوعيّاً إلّا بقدر ما يتاح للملاحظ من استقراء للمجتمعات العقلائيّة المختلفة». الحلقة الثانية، ص 183.