المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

71

خلال سنين جماعات ووحداناً؟ إنّ مثلَ أبيكم ـ كما كتبت إلى أحدكم(1) ـ مثلُ الشجرة تنمو أغصانها وتُورِق، وتمتدّ في الفضاء عالياً، ولكن تتمزّق من داخلها، جذورها وأعصابها الممتدّة في الأرض.

إنّ لحظات سوف تبقى خالدات، وكلّ لحظاتكم خالدات في نفس أبيكم. إنّ لحظة وقوفك أيّها السعيد(2) في فوهة السلّم وأنت تودّعني وتبكي، إنّ تلك اللحظة ما نسيتها، ولن أنساها أبداً؛ لأنّها اللحظة التي تصوّر البنوّة البارّة. إنّ تلك اللحظة التي ودّعتني فيها يا آقاي أخلاقيّ(3) وأنت تعيش لحظة من أحرج لحظاتك، ودّعتني وكنتُ أحسّ بأنّك تنتزع انتزاعاً، وأنّك تتمزّق تمزّقاً، إنّ تلك اللحظة لايمكن أن أنساها.

إنّ تلك اللحظة التي لم تستطع فيها يا أبا أحمد(4) أن تودّعني، أو أن اُلقي نظرةً أخيرةً عليك، إنّ تلك اللحظة تمزّقني أنا تمزّقاً وتمزيقاً. ولئن كنت أعيش مأساة فراقكم أيّها الأحبّة فأنا ـ في الوقت نفسه ـ أشعر من خلال هذه المأساة بانتصاركم؛ لأنّكم أثبتّم من خلالها كلّ ما يودّ الأب أن يراه في أبنائه من ثبات، ونبل، وشهامة، وإخلاص، ووفاء، وهذا أقصى ما يسعد الأب، وما يشعره بامتداده في أبنائه، فأنتم معي على الرغم من الزمان، وعلى الرغم من المكان، ولتكن هذه المعيّة في الله، ومن أجل الله، تعبيراً حيّاً عن لقائنا باستمرار إلى أن يجتمع الشمل، وتعود الأغصان إلى الشجرة الاُمّ.

إنّ مقوّمات الصمود والثبات والاستمرار في الحياة هي الحبّ، والأمل، والثقة، ونحن جميعاً نملك هذه العناصر الثلاثة، نسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يقرّ عيني بكم، ويرعاكم بعينه التي لاتنام، ويجعل منكم دائماً وأبداً المستوى الأمثل في سلوكه، وورعه، وإيمانه، ودرسه وعلمه؛ لكي تكونوا المَثَل والقدوة والامتداد والأمل الكبير في حياة المسلمين. والسلام عليكم من قلب لايملّ الحديث معكم، ورحمة الله وبركاته».


(1) كان هذا المضمون مكتوباً فى رسالة منه(رحمه الله) إلىّ.

(2) المقصود هو الشيخ سعيد النعمانىّ أحد مخلصيه الأعزّاء، وهو يعيش اليوم فى طهران.

(3) هو الشيخ عبّاس الأخلاقى أحد طلّابه البررة، وهو اليوم يعيش فى قم المقدّسة.

(4) هو السيّد عبدالهادي الشاهروديّ أحد طلّابه المخلصين، وهو يعيش في(علي آباد كتول)، ويقيم صلاة الجمعة هناك.